طباعة هذه الصفحة

الدكتـور يوسف وغليسـي

رحيـــل آخــر الكبـــار..

كنا نذكر اسمه حين نذكر أسماء أهرامات النقد الجزائري المعاصر التي رحلت تباعا : محمد مصايف، عبد الله الركيبي، صالح خرفي، أبوالعيد دودو، أبو القاسم سعد الله، عبد الملك مرتاض..
واليوم ينضم اسمه الكريم (عليه السلام والرحمة) إلى قائمة الراحلين الكبار، وقد ترك من الآثار ما يبقيه حيا في ذاكرتنا الجمعية.. يكفي أن أطروحته الضخمة (767 ص): الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية (1925 - 1975) لا تزال - في تقديري الشخصي - أضخم وأعمق وأهمّ ما كُتب عن الشعر الجزائري (في تاريخه الطويل) على الإطلاق!
ويكفي أنه أول من كتب كتابا عن شاعر الثورة مفدي زكريا، وأول من بعث آثار الفتى الميزابي العظيم رمضان حمود (1906-1929).. وأكبر من كتب - بوفاء فكري حميم - عن شيوخه الإباضيين العظام (أبواليقظان، بيوض، اطفيش، دبوز..)..
وهو الرائد الكبير الذي تخصص تماما في الكتابة عن الصحافة الوطنية (الأدبية خصوصا) التي خصها بأطروحة دكتوراه (الحلقة الثالثة)؛ وقد أشرف عليها المجمعي الدمشقي الكبير شكري فيصل، عام 1972.
وهو الشاعر الذي ترك إرثا شعريا للصغار خصوصا، وحين أذكر الصغار أذكر أنني ذهلت وأنا أتأمل (في صفحة الصديق د. مسعود فلوسي) قائمة كتبه المنشورة، وقد تجاوزت مئة وثلاثين كتابا، نصفها في أدب الأطفال، والنصف الباقي شراكة بين الدراسات الأدبية والدراسات الفكرية الإباضية..
محمد ناصر هو نابغة معهد الحياة بالقرارة (عروس الجنوب الجزائري الفكرية)، ثم خريج جامعة القاهرة لاحقا (1966)؛ حيث تتلمذ لأساطين النقد العربي الكبار (شوقي ضيف، يوسف خليف، سهير القلماوي)، قبل أن يؤوب إلى بلاده معلما ثم أستاذا بجامعة الجزائر (1971 - 1991) التي غادرها إلى معهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان تسع سنوات كاملة، ثم عاد إلى الجزائر وقد أثقله القصور الكلوي أكثر من عشرين سنة كاملة..
من يقرأ أطروحته العجيبة عن الشعر الجزائري بفصولها الممتازة، وملاحقها وفهارسها الدقيقة المضنية التي لا تقل أهمية عن فصولها، وقد أنفق في إنجازها أكثر من عشرة أعوام قضاها في الانتقال علميا وإداريا بين الجزائر والرباط والقاهرة وباريس، لأجل حياة تلك الأطروحة، يعرف ما معنى أن تصبح دكتورا في ذلك الزمان..
تغمدك الله برحمته الواسعة أيها الراحل الكبير..
المجد والخلود لآثارك العظيمة، والصبر الجميل لأهلك الكرام..