طباعة هذه الصفحة

برمــج رسميا لـ”أسبوع النقاد” بمهرجـان البندقيـة

”رقيــة”.. رحلـة وجوديــة في متاهـات الذاكــرة

يواصل المخرج الجزائري “يانيس كوسيم” العمل على القضايا الوجودية والإنسانية العميقة، من خلال أولى تجاربه الطويلة “رقية” وهو فيلم يُعالج ببراعة موضوع فقدان الذاكرة وما يرافقه من ارتباك داخلي وأسئلة وجودية، في بناء درامي يستند إلى أجواء تأملية وغامضة.
يروي الفيلم قصة “أحمد” رجل يعود إلى قريته سنة 1993 بعد أن فقد ذاكرته في حادث سير. لا يتعرف على ملامح حياته، ولا على أفراد أسرته. تحاصره كوابيس غامضة، وزُوار ليليون يتحدثون بلغة غير مألوفة، فينغمس تدريجيا في عوالم داخلية مشوشة تربك إحساسه بالزمن والمكان والهوية. بالتوازي، تظهر شخصية مسن يعاني من تدهور الذاكرة، في تماه بين الشخصيتين يعزز البعد الرمزي للفيلم.
اعتمد كوسيم أسلوبا بصريا هادئا وكثيفا، يُراهن على الإيحاء أكثر من المباشرة، وعلى الاشتغال النفسي بدلا من الحدثي. فالفيلم لا يقدم أجوبة، بل يطرح تساؤلات مفتوحة عن الانتماء، واستعادة الذات، والذاكرة حين تصبح عبئا وغموضا في آن واحد.
ينتمي “رقية” إلى سينما مستقلة، تنحاز إلى الإنسان في هشاشته، وتُفضل البساطة الإنتاجية على حساب الضخامة، دون أن تتنازل عن الطموح الفني. وقد تم تطوير الفيلم ضمن برامج دولية، من بينها منصة (Qumra) لمعهد الدوحة للأفلام، ما ساهم في دعمه إنتاجيا من عدة جهات منها: الجزائر، قطر، والمملكة العربية السعودية.
وتتويجا لهذه التجربة، تم اختيار “رقية” ضمن البرمجة الرسمية لقسم “أسبوع النقاد” في مهرجان البندقية السينمائي الدولي في طبعته الثانية والثمانين لسنة 2025، وهو أحد الأقسام البارزة التي تُعنى بالأصوات السينمائية الجديدة حول العالم.
هذا الاختيار يعد خطوة متقدمة للسينما الجزائرية المعاصرة، ويعكس ديناميكية جديدة بدأ يفرضها عدد من المخرجين الشباب، الذين يشتغلون خارج القوالب التقليدية، ويقدمون رؤى فنية تتسم بالعمق والخصوصية.