الجزائر أنجبت عددا كبيرا من الأسماء البارزة في الأدب
كتاباتي ترصد تداعيات الاحتلال الصهيوني على الهوية الثقافية
أكدت الكاتبة الأردنية بديعة النعيمي في حوار مع “الشعب”، بأنها حددت لنفسها مسارًا في عالم الكتب، حيث كانت الأكثر شغفًا بتناول فلسطين بعمق، كما تؤمن بأن الرواية يمكنها أن تتجاوز حدود السرد لتصبح صوتًا للمعاناة في زمن الحرب، ومن جانب آخر تحدثت النعيمي عن الأقلام الأدبية الجزائرية التي تستهويها وعلاقتها بالقارئ الجزائري الذي تكن له احتراما وتقديرا لا متناهيين..
- الشعب: تخصصك في مجال الجيولوجيا، لكنك اخترت أن تكوني كاتبة روائية، ماذا تحقق لك من خلال الكتابة الأدبية؟
بديعة النعيمي: الكتابة فعل مقاومة ضد النسيان، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها احتجاز اللحظة قبل أن تبتلعها هاوية الزمن. وهذا ما أحتاج إليه بالضبط، وهو توثيق أبرز ما يحدث من تطورات على مستوى قضية فلسطين.
فمثلا عملية السابع من أكتوبر 2023 دفعتني أن أعبئ سلاحي الذي نذرته لفلسطين لتوثيق ما يحدث في غزة. فتوجهت للمقال، فاستعدت الماضي وأسقطته على أحداث الحاضر واستشرفت المستقبل في سلسلة كتب كلها تحت عنوان “الحرب على غزة”. وكان الهدف من التوثيق أن لا يضيع الحدث وتتوه تفاصيله أمام كثافة الأحداث ليكون الدليل على ما حصل من وحشية العدو، كما أني هدفت من خلال هذا التوثيق حفظ الذاكرة الفلسطينية وتكذيب رواية الآخر، وعليه أعتقد أن من كانت فلسطين تشكل هاجسا دائما له حتى غدت تلتصق بقلبه كالتصاق اللحم مع العظم، كان لا بد له أن يكتب لها وعنها..
- ما هي الأسماء الأدبية الجزائرية التي تقرأ لها الكاتبة بديعة النعيمي؟ وما الأعمال التي استحسنتها؟
من المعروف أن الأدب الجزائري يمتاز بثرائه وتنوّعه. والجزائر أنجبت عددا كبيرا من الأسماء البارزة في الأدب فمنهم الطاهر وطار، أحلام مستغانمي، واسيني الأعرج، عز الدين جلاوجي وعلي فضيل العربي وغيرهم...
أعجبتني رواية “ذاكرة الجسد” للكاتبة أحلام مستغانمي، حيث استطاعت أن تصنع لغة شعرية مشحونة بالرمزية السياسية والتاريخية...
- وكيف هي علاقتك بالقارئ الجزائري؟
القارئ الجزائري يشبه أرضه ولا يقبل أنصاف الحلول، فإما أن يقبلك أو يرفضك، لأنه يطالب بالحقيقة، لكنه يدرك في الوقت ذاته أنها نسبية ومتعددة الأوجه. وهذا ما يصنع علاقة فيها من التحدي ما فيها. ما يدفعنا ككتّاب أمام قارئ كهذا أن لا نكتفي بالكتابة، بل يجب أن نبرر هذه الكتابة ونعيد اكتشافها من جديد في كل مرة.
- ما هي المواضيع التي تطرقت إليها في أعمالك الأدبية؟
أظن أن الموضوعات في الأدب ليست مجرد مواضيع، بل أسئلة مفتوحة قد لا يكون لها إجابات قاطعة.. فأنا لا أكتب مثلا عن الهوية، بل أطرح الأسئلة عنها.. وكذلك لا أكتب عن الحرية بل أوجه أسئلة للمتلقي ليجيب كل من زاوية رؤيته الخاصة به.. ومثلها أسئلة عن تيمة الذاكرة والمرأة والعدالة وغيرها من التيمات..
- حدثينا عن نتاجك الأدبي الموجه لدعم القضية الفلسطينية؟
بما أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية قبل أن تكون سياسية، فقد ركزت في أعمالي بالإضافة إلى الجانب السياسي والتاريخي على المعاناة التي يمر بها الفلسطيني بشكل يومي من قبل آلة العدو التي لا ترحم. كما رصدت تداعيات الاحتلال على الهوية الثقافية ومحاولات الاستلاب الفكري التي يمارسها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، في محاولة لتثبيت الهوية الفلسطينية وحفظها من المحو. وهنا تتجلى أهمية الأدب في أنه قادر على أن يكون ذلك السلاح الفتّاك في التصدّي لمحاولات طمس الحقائق.
- برأيك هل يؤدي الإنتاج الأدبي والثقافي الفلسطيني إلى إشباع المعرفة في المجتمع الفلسطيني؟
المعرفة - من وجهة نظري - ليست منتجا يمكن إشباعه. بل هي تيار دائم التغير يتجدّد مع كل سؤال جديد. والأدب الفلسطيني لا يهدف إلى الإشباع بل إلى إثارة الجوع الدائم للمعرفة. والمعرفة ليست في المعلومات المجردّة، بل في إعادة النظر فيها باستمرار، وفي تفكيكها وإعادة تركيبها وفق رؤية نقدية.
- في ظل التكنولوجيا وطغيانها اللاّمحدود، هل استطاع المثقف أن يلملم خطابه وإنتاجه الثقافي مع متطلبات العصر الرقمي؟
أظن بأنه استطاع جزئيا.. فهناك محاولات من الكتّاب لاستغلال التكنولوجيا مثل نشر أعمالهم ككتب إلكترونية وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق تلك الكتب. غير أن هناك كثيرا منهم لا يزالون أسرى النظرة التقليدية للأدب، بينما يحتاج الأدب في عصر الرقمنة إلى طرق جديدة للتفاعل مع الجمهور.
- كلمة أخيرة توجّهينها إلى قرائك؟
اقرأوا بوعي ولا تخشوا الأسئلة التي قد تهز يقينكم، لأن الحقيقة الثابتة هي أن كل شيء قابل لإعادة النظر. فكل كتاب تقرأه هو إعادة صنع للعالم، والطريقة التي تفسر بها الكلمات هي ذاتها الطريقة التي تفسر بها حياتك.