طباعة هذه الصفحة

القاص والنّاقد قلولي بن ساعد لـ “الشعب”:

البعــــــــــــد الذّاتـــــــــــي مـــــــــــــــن ثوابـــــــــت “الرّوايــــــــــــــــــــــــــــة”..وإن أنكــــــــــــــــــــرت

موسى دباب

 

. يرى قلولي بن ساعد أنه من الصعب فصل البعد الذاتي عن الرواية، إذ يؤكّد “لا يمكن أن تخلو، في اعتقادي، الرواية العربية عموما والرواية الجزائرية على الخصوص، من البعد الذاتي في الكتابة الروائية. فمهما حاول الروائي الزعم بأنه يقدم عملا روائيا، فلا بد أن تتسرب إلى نصه بعض الجوانب المغيبة من سيرته الذاتية، حتى دون قصد”.

 يشير قلولي بن ساعد في حديث مع “الشعب”، إلى أنّ هذا التداخل بين الذاتي والروائي تجسّد في ما يسمى بـ “الرواية السيرية”، حيث يوظف الكاتب مخزونه الحياتي ضمن لعبة التخييل الروائي، ما يجعله يعيد تشكيل سيرته الذاتية بأسلوب فني، بغية إضفاء بعد جمالي وسردي يحجب المعالم الحقيقية للشخصية الكاتبة.
ويقول قلولي “ولا ينبغي أن نتغافل عن ذلك الأفق من الكتابة الروائية الذي يسمى في النقد المعاصر “بالرواية السيرية”، وهو مجال من مجالات الكتابة الروائية تستعين فيه الذات الكاتبة من مخزونها الحياتي وتراكماتها في الوجود والدنيا، واضعة ذلك ضمن لعبة الكتابة الروائية الى درجة تعويم الأثر الروائي بنوع من التخييل الفني، بهدف التغطية على المعالم الذاتية في الكتابة الروائية”.
وحول الأساليب التي يمكن أن يعتمدها الكاتب عند تقديم سيرته الذاتية داخل النص، يرى الناقد أن ذلك يرتبط بمهاراته اللغوية ومرجعياته السردية، مؤكّدا “عندما يستدعي المتلقي أو القارئ الأسلوب المعتمد في كتابة فن السير الذاتية، فأظن أن ذلك يتوقف على مهارات الكاتب اللغوية ومرجعياته السردية ولا وجود في نظري لأسلوب قار أو ثابت يمكن اعتماده عندما يكون الكاتب بصدد كتابة نص روائي يستمد مرجعيته الإحالية من سيرته الذاتية أو من سيرة غيره من الشخوص الواقعية الذين يرغب في الاشتغال عليهم كشخوص روائية”.
ويرى بن ساعد أنّ الإشكال الأكبر الذي يواجه كاتب السيرة الذاتية هو مدى قدرته على نقل حياته بمصداقية للمتلقي، بعيدا عن الخوف من التقاليد الاجتماعية أو القيود الثقافية. وأن الصدق المطلق في كتابة السيرة الذاتية يكاد يكون مستحيلا في الأدب العربي، موضحا “بصراحة، أرى أنه يستحيل على الكاتب العربي، وليس الجزائري فقط، أن يكتب عن ذاته بصدق خالص. فكل السير الذاتية الروائية التي قرأتها، باستثناء “الخبز الحافي” لمحمد شكري، لا تزال واقعة تحت طائلة الخوف من المجتمع والسلطة التقديرية للجماعات المتخيلة”، ويشير إلى أن هذا الخوف ينبع من ما أسماه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو بـ “الإخصاء الثقافي”، حيث تفرض الجماعات الاجتماعية أنماطا رقابية على الأفراد، ما يدفع الكتاب إلى ممارسة رقابة ذاتية على نصوصهم، خوفا من الاصطدام بالوعي الجمعي الراسخ”.
أما عن وجود أدب سيرة ذاتية واضح في الجزائر، فيؤكّد الناقد قلولي بن ساعد أن هذا النوع الأدبي موجود لكنه متداخل مع الأجناس الأدبية الأخرى، قائلا “نعم هناك أدب هو أدب السيرة الذاتية، وفي ما سبق من عصور الأدب لم يكن الحديث ممكنا عن أدب السيرة الذاتية منفصلا عن هموم الكتابة الروائية، لأن الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد الذي حصل له نوع  التداخل النصي مع فن كتابة السيرة الذاتية، قبل أن تنبثق في فضاء الثقافة العربية أنواعا أخرى من السير، على غرار السيرة الثقافية أو الفكرية كما تتجلى في ما يكتبه عدد من المفكرين والفلاسفة وعلماء النفس وغيرهم بالمعنى الذي نراه في عنوان كتاب مهم للناقد المصري الدكتور صلاح فضل وهو “عن النقد وعشق التميز مقاطع من سيرة فكرية”.
ويشير الناقد إلى ظهور ما يسمّى بـ “السيرة الغيرية” في الرواية الجزائرية، مؤكّدا أنه لا ينبغي أيضا نسيان ذلك النوع من السير الفنية الذي تعج به النصوص الروائية الجزائرية. “وأعني بذلك ما أصبح يسمى في النقد الروائي العربي بالسيرة الغيرية أو سيرة الآخر غير الكاتب في النص الروائي”، ويضرب مثالا برواية “الشمعة والدهاليز” للطاهر وطار، “النص الذي تحضر فيه بعض الجوانب من سيرة الشاعر الجزائري يوسف سبتي الذي يقدمه الروائي الطاهر وطار بوصفه الشخصية المحورية في الرواية ضمن مجتمع الرواية الواقعي شبه التخييلي”، ورواية “رسول الفضة” للروائي أحمد عبد الكريم، الذي استعان فيه بما قام بجمعه من حياة ومسيرة الشاعر الشعبي الأغواطي “التخي عبد الله بن كريو في القضاء والحياة” يقول المتحدث. ثم يستطرد قائلا: “هذا لا يعني بالطبع بأن الطاهر وطار قد كتب سيرة الشاعر يوسف سبتي. ولا يعني أيضا أن أحمد عبد الكريم قد كتب سيرة الشاعر الشعبي عبد الله بن كريو بقدر ما يمكن القول بأن عملهما أقرب إلى ما يسمى  بالرواية السيرية، التي لا يتردد الروائي في الاستعانة فيها بما يسمى السيرة الغيرية ضمن نصه الروائي في اكتماله الفني”.
ويختم الناقد بالإشارة إلى رأي الروائي عبد الرحمن منيف، الذي اعتبر أن الرواية العربية عموما هي “سيرة من لا سيرة له”، في إشارة إلى التداخل الكبير بين السيرة الذاتية والخيال الروائي، في قوله “وهنا أجد نفسي كقارئ وناقد أتفق تماما مع الروائي الكبير عبد الرحمان منيف عندما كان يرى بأن الرواية العربية عموما هي سيرة من لا سيرة له”.