رغم التهديد الأمني الذي لازالت دولة مالي تواجهه بسبب الجماعات الإرهابية التي تواصل هجماتها واعتداءاتها الدّموية، وآخرها هجوم الخميس الماضي على معسكر لبعثة الأمم المتحدة وقوة بارخان الفرنسية والذي أسفر عن إصابة خمسة جنود فرنسيين، فإنّ السلطة الحاكمة في باماكو بقيادة ابراهيم بوبكر كايتا، مصرّة على إنجاح عملية السلام من خلال تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة الموقّّع منتصف 2015، بوساطة الجزائر، وإقرار المصالحة بالاعتماد على قانون الوفاق الوطني وتنظيم استحقاقات رئاسية تحقّق تطلعات الشعب.
لا شكّ أن ما عاشته دولة مالي من أزمة سياسية وأمنية خلال السنوات الأخيرة لم يكن بالأمر البسيط، ولا بالتحدي الذي يمكن مواجهته دون إرادة داخلية ودعم خارجي نزيه وفعّال، وبالفعل الوضع الذي صحت عليه الجارة الجنوبية في مارس 2012، كان كارثيا بأتم معنى الكلمة؛ انقلاب عسكري أطاح بالرئيس وهدّم مؤسسات الدولة، تمرّد في الشمال، وعلى الخطّ دخلت المجموعات الإرهابية تبثّ سمومها القاتلة.
الحدث كان فعلا جللاً، والصدمة كبيرة، خاصة وأن الماليين وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهة الانقلابيين والمتمردين والإرهابيين في نفس الوقت، لهذا استنجدوا بفرنسا التي أعلنت تدخلا عسكريا أعاد الشرعية، لكنه لم ينه تمرّد الشمال ولا أبعد خطر الدمويين.
وأمام هذا الوضع، قرّرت الجزائر التدّخل بثقلها ومصداقيتها العالية لبعث جهود السلام، فأطلقت عملية حوار بين الفرقاء انتهت بتوقيع اتفاق السلم والمصالحة الذي طوى تمرّد الشمال، لكنه، للأسف، لم يتجسّد ميدانيا بكلّ بنوده، حيث ظلّت بعض الأطراف ولازالت تعترض العملية السلمية وتعرقل مسار قاطرة السلام.
وانطلاقا من حرصها على مواصلة مرافقة الماليين للوصول إلى برّ الأمان، وللخروج من مأزق عرقلة تطبيق اتفاق السلم والمصالحة، اقترحت الجزائر على باماكو إطلاق مصالحة وطنية بالاعتماد على قانون للوفاق الوطني، يعيد الثقة بين أبناء الشعب الواحد ويلملم جراحهم، وبالموازاة حثتها على تنظيم الاستحقاقات الرئاسية وذلك بعد سلسلة من التأجيلات.
ويقترح قانون «الوفاق الوطني» إجراءات خاصة لوقف المتابعات أو العفو لصالح بعض الفاعلين في التمرّد المسلح لسنة 2012، الذين لم تلطّخ أيديهم بالدماء وإجراءات تهدئة بعد تعجيل التدابير الجارية والتعويضات الممنوحة للضحايا المعترف بهم، إضافة إلى برنامج إعادة إدماج كل الذين يضعون السلاح ويلتزمون علنا بنبذ العنف.
وفي إطار تنفيذ هذا القانون، تندرج الزيارة التي قام بها الوزير الأول المالي سومايل بوباي مايغا، نهاية الأسبوع الماضي، إلى مدينة كيدال بالشمال، وهي أول زيارة لمسؤول مالي إلى هذه المدينة المتمردّة مند 2014، والتي تسعى باماكو إلى تعزيز حضور الدولة بها وتسريع وتيرة توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية لسكانها، وأيضا ضمان مشاركتها في الرئاسيات المرتقبة شهر جويلية القادم.
تحدّيات كثيرة وصعبة تواجهها مالي، خاصة التهديد الإرهابي الذي تعكسه الهجومات الدموية المتواصلة، لكن في المقابل هناك إرادة سياسية تعمل على تنفيذ اتفاق السلام وتفكيك الألغام التي تعترضه، كما هنالك عزم قويّ على حماية الوحدة الترابية والشعبية من خطر التقسيم وعلى مواجهة سفاكي الدماء ومن يدعمهم.
الطريق إلى الأمن والاستقرار لا تبدو سهلة بالنسبة للجارة الجنوبية، لكن قدر مالي أن تقاوم أزمتها وتقضي عليها، ومهما كان الليل طويلا فلا بدّ للفجر أن ينبلج.