في 18 مارس 2011 بدأت فصول الأزمة السورية ترتسم، لتكبر ككرة الثلج، وتتحوّل إلى حرب دموية مريعة خلّفت مئات الآلاف من الضحايا والملايين من المصابين جسديا ونفسيا ومثلهم من النازحين واللاجئين الهائمين على وجوههم في مختلف بلدان العالم.
البداية، كانت قبل سبع سنوات، برغبة شعبية جامحة في التغيير، لكن تبيّن لاحقا أن التغيير لم يكن الهدف المنشود على الأقل بالنسبة للذين تكالبوا على بلاد الشام وأضرموا نيران حقدهم في جنباتها، قبل أن يحولوها إلى قبلة لتنظيماتهم الإرهابية التي مارست ولا زالت كل أشكال التقتيل والترويع بحق السوريين، الذين باتوا لا يتردّدون في التأكيد بأنهم يتمنون العودة إلى الوراء، إلى زمن الأمن والاستقرار، لكن للأسف عجلة الزمن لا تعود أبدا إلى الوراء.
تطوي الأزمة السورية السبت القادم سنتها السابعة لتستهل الثامنة، ولا شيء أمام ناظرينا غير صورة الدولة العربية التي تحوّلت بأيدي متآمري الخارج وخونة الداخل إلى مجرّد بقعة للموت والدمار، إذ سحقت المدن وسرقت الحياة، وتفتّتت الوحدة الشعبية وانشطرت إلى مجموعات وطوائف، كلّ واحدة تسبح في فلك دولة خارجية وترفع معول الهدم في وجه الشام الجريحة.
الصورة التي بلغتها سوريا اليوم فظيعة، إنها باختصار الكارثة التي مسّت جميع مناحي الحياة، فعدد القتلى - حسب بعض المصادر - يقترب من نصف مليون في دولة يبلغ عدد سكانها نحو 18 مليوناً، بينما لا يتضح بدقة عدد المصابين جسمانياً على الأقل، لأن عدد المعاقين نفسياً قد يقترب من عدد السكان الكلي، فنحو ثلاثة أرباع السكان الآن هم نازحون داخلياً بعد تدمير منازلهم أو لاجئون إلى دول أخرى: فهناك 650 ألفاً في الأردن، وثلاثة ملايين في تركيا، وأكثر من مليون في لبنان.
وفي الجانب الاقتصادي، حرقت الحرب الزرع والحرث في بلدٍ كانت تعتبر رائجةً في عدد من الصناعات والزراعات في المنطقة ووصل بها الأمر إلى الاكتفاء الذاتي في كثير من السلع.
واليوم ـ كما يقول الخبراء - تحتاج سوريا إلى عشرات السنين كي تعود إلى مستواها في سنة 2010، أي العام الذي سبق قيام هذه الحرب العبثية التي تأبى نهايتها أن تأتي.
ويتضح جليا أن من ألهبوا النيران في بلاد الشام، والذين يذرفون دموع التماسيح على المأساة التي حلّت بالسوريين، لم يكن همّهم مطلقا سوى العودة بسوريا والمنطقة قرونا إلى الوراء، وهو الحاصل بالضبط.
الحرب التي تزلزل أركان سوريا الشقيقة، لم تضاهها في حروب المنطقة غير الحرب الأهلية في لبنان، وكأن قدر الدولتين الجارتين لكيان يحتل فلسطين، رسم بدقة لينتهي إلى هذا المآل.
ورغم نقاط التشابه، فالحرب السورية، كما يعتقد الخبراء ليست حرباً أهلية بالمعنى التقليدي، بل تنتمي لما يسميه حالياً أساتذة العلاقات الدولية «الحروب الجديدة»، التي تشارك فيها عدة دول، ما يعدّد مراكز القرارات ويصعّب جهود السلام والحلّ.
الأكيد انّنا نعرف كيف بدأت الحرب السورية، لكننا لا نعرف متى ستنتهي، والأكيد أيضا أننا ندرك أن الجميع خاسر فيها، لهذا من الضروري وقف هذه المأساة، فالتاريخ لن يرحم قتلة الأوطان، واللّعنة ستطاردهم مدى الأزمان.