إن قرار تأميم المحروقات لا يمكن فهم مغزاه إلا بوضعه في سياقه التاريخي، المتمثل في خيرات وثروات الشعب الجزائري التي ظلّت تحتكرها الشركات الفرنسية لـ9 سنوات بعد الاستقلال ولم تكتف بذلك، بل رفضت حتى مجرد التفاوض مع الحكومة الجزائرية حول مطالب زيادة الجباية البترولية على أرباحها، بينما كان من المفروض أن تعوض الشعب الجزائري نظير استغلالها لخيراته منذ 1956، بينما اعتبرت تلك الشركات أنه ملكية خاصة لا يمكن التفاوض حولها.
أمام تعنت وتصلّب موقف السلطات الفرنسية وبعد استنفاذ كل الوسائل، لم يبق أمام الحكومة الجزائرية إلا طريق واحد لإنهاء تلك الحلقة المفرغة، فجاء القرار بتأميم 51٪ من رأسمال تلك الشركات الأجنبية العاملة في صحرائنا وكانت فرنسية بالأساس. ليعلن الرئيس الراحل هواري بومدين يوم 24 فيفري 1971 قرار تأميم المحروقات بالتزامن والذكرى 15 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في نفس ذلك اليوم من سنة 1956. لم يكن هذا الاختيار اعتباطيا، فسنة 1956 هي السنة التي تم فيها اكتشاف المحروقات في الجزائر وبداية استغلالها من طرف الشركات الاستعمارية.
من المؤكد أن قاعدة 51/49 أكبر من مجرد قاعدة اقتصادية تنظم الاستثمار الأجنبي في الجزائر وإنما ضمان الحفاظ على ثروات المجموعة الوطنية ومقدراتها جيلا بعد جيل. والأصوات التي تطالب بإلغائها كلما سنحت الفرصة، تحت مبررات يبدو للوهلة الأولى أنها اقتصادية، لا يمكن فهم دوافعها إلا بوضع هذه القاعدة في سياقها التاريخي، عندها يتبين أنها لا تزعج إلا أولئك الذين مازالوا يخلطون بين الاستثمار والاستعمار؟!