وهج الثورة كان وما زال دائما المحرّك الهادف في اتخاذ القرارات التاريخية العظيمة التي رسمت ابتعاد الجزائر عن القوى المهيمنة على الشعوب التواقة إلى الانعتاق والسير في خياراتها الإستراتيجية الوطنية، إدراكا منها بأنه يستحيل القبول بالواقع السياسي والاقتصادي الذي يريد هؤلاء فرضه على البلدان الحرة.
ويندرج قرار التأميمات في هذا السياق، أي أنّ القادة الجزائريين أقسموا أن يستكمل تحرير البلد من كل الوجود الإستعماري وهذا بطرد الشركات المتعدّدة الجنسيات، التي كانت تتصرّف في خيرات الوطن، وتستنزف خيراته وتستغل أبناءه.
لم يكن الأمر بكل تلك السهولة، بل أن الجزائر رفضت رفضا قاطعا مواصلة المجمعات النفطية العالمية الكبرى العمل بالأساليب المنافية تجاه بلد مستقل حديثا أراد استرجاع كل ما ضحى من أجله الشهداء مهما كان الأمر.
وما كان من وهج الثورة الذي يسري في عروق هذا الشعب إلا بالاضمام إلى هذا العنوان الكبير ألا وهو التأميمات، وكل من كانت له تجربة ويتمتع بخبرة نزل إلى الصحراء، للمساهمة في تسيير المنشآت البترولية والوقوف على علميات التنقيب. من إطارات ذات كفاءة عالية يشهد التاريخ إنخراطها في هذا المسعى الوطني.
وهكذا سقطت كل الرهانات الخاطئة التي كانت تعتقد بأن الجزائريين اختاروا المغامرة وسار كل شيء على أحسن ما يرام وفق الخطة المرسومة وتغيّرت فورا قواعد اللعبة في كيفية استغلال البترول وفق نسب أقرها الجزائريون بأنفسهم وخضع لها الجميع.
ماذا نستنتج اليوم؟ ما يبقى راسخا في ذهنية هذا الشعب هو أن الجزائريين حافظوا على قرارهم السيادي، بالرغم من الضغوط الرهيبة عليهم، إنطلاقا من مسارهم الثوري، الذي يعلم جيدا ماذا يفعل عندما يتعلّق الأمر بالأجنبي، الراغب في المناورة والتلاعب.
هذه الصفة غير موجودة عند الآخر، الكثير من الشعوب لا تستطيع حماية قرارها السيادي، كونها لا تستند إلى مرجعية ثورية في تاريخها الوطني، مما جعلها عرضة للآثار المترتبة عن ذلك، وهذا الموقف الجزائري ليس وليد الأمس فقط بل مازال قائما بذاته اليوم تجاه كل القضايا التي نشاهدها.
والضغوط السياسية والاقتصادية اليوم، أقوى بكثير من الأمس، بحكم تغير المفهوم الدولي والإقليمي للعلاقات الدولية، خاصة مع سقوط جدار برلين، وانهيار المعسكر الشرقي وبروز ظاهرة الإرهاب، وغياب آلية تنسيق في الدفاع عن المصالح الاقتصادية، التجارية والمالية للشعوب.
هذه المؤشرات الأولية لها تأثير مباشر على كيفية صناعة القرار السياسي أي مراعاة إنعكاساته على الآجال القادمة، غير أن الجزائر في الوقت الراهن تعمل كل ما في وسعها من أجل أن تكون وفية لمبادئها المترجمة لهذا التوجه المبني على الرؤية السديدة حيال كل الملفات التي أمامها.
وكل ما نادت إليه الجزائر، خلال مرحلة ما بعد التأميمات من إقامة لنظام إقتصادي دولي جديد أي استحداث عدالة في الحركية التجارية مطروح اليوم بقوة، بالرغم من مرور عليه عقود من الزمن ليعود الوضع العالمي إلى نقطة الصفر كل تلك النظالات ذهبت أدراج الرياح.. «الغني يزداد غنا والفقير يزداد فقرا».
وهكذا تغيرت المعادلة باتجاه أن كل دولة تعمل اليوم على انقاذ ما يمكن إنقاذه حفاظا على مصالحها وأي مبادرة للم الشمل تغتال في المهد ولا يترك لها المجال لتنضج وتأخذ مجراها.
وكل مناسبة وطنية تزيد في الجزائر بين قوة نفسية لا حدود لها من أجل دعم البلد على كافة الأصعدة خاصة اقتصاديا واجتماعيا وهذا بتعزيز كل الإجراءات التي ترمي من أجل التكفل بالمواطن تكفلا لائقا، وهذه القرارات سيدة لا غبار عليها بالرغم من أصوات المؤسسات المالية الدولية التي تتكالب على التغطية الاجتماعية للجزائريين.