النّظرة الحالية للتّكوين والتّعليم المهنيين تحمل أبعادا استراتيجية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الوطني، كل تلك الأيدي العاملة المؤهّلة المتخرّجة تتوجّه نحو إضفاء القيمة النّوعية على القطاعات الحيوية، ففي وقت قياسي لم يتعد سنة ما نسبته ٨٣ ٪ من الحاصلين على شهادات في تخصّصاتهم حظوا بإدماج في المؤسّسات المستقبلة لهم.
هذا الرّقم له دلالة يستحق الإشارة إليها أو بالأحرى تحليلها منها بالأخص أنّنا نقترب من سقف ١٠٠ ٪ لم يبق إلا فارق ٢٧ ٪ كي تكتمل دائرة التكفل بالمتخرّجين ممّا يفسّر توجّها جديدا من قبل المؤسّسات الأخرى كذلك، والتي تراهن على المهارات القادرة على الدّخول مباشرة في الوسط المهني دون أي تأخّر يذكر أو كما يحصل مع العمّال الجدد غير المكوّنين.
هذا العمل المنجز ليس عفويا أو السّعي لتوفير مناصب الشّغل فقط للشّباب الموجود بالمراكز أو المعاهد، وإنما المستوى العالي من التحكم في الآلة أو في وسيلة عمل أخرى المقياس الوحيد الفارض لنفسه في كل هذه الحركية الدّقيقة للاقتصاد الوطني، وبإمكان كذلك المتخرّجين الذين يرون أنفسهم بأنّهم قادرون على الإبحار في هذا العالم التّنافسي، أن ينشطوا لصالحهم من خلال ورشة صغيرة يكون لها شأن كبير في المستقبل، أو ما يعرف بالمؤسّسات النّاشئة، قد يجسّد ذلك ذوو المستويات العالية من حملة الشّهادات العليا، الذين يتلقّون تكوينا دقيقا في بعض التّخصّصات المطلوبة.
والحلقة الأخرى الأكثر انشغالا وحماسا فياضا لدى مسؤولي وزارة التكوين والتعليم المهنيين، هو تكييف المهن مع الأقطاب الصّناعية المنتشرة عبر ولايات الوطن ومرافقتها في كل احتياجاتها.
هذا لا يعني احتكار التّوظيف من قبل هذا القطاع، وإنما هناك التزامات مكتوبة عبارة عن اتّفاقيات ثنائية يتم بموجبها فتح تلك المؤسّسات لشباب التكوين والتعليم المهنيين، وفي حالة إبداء رغبة في الاحتفاظ بهم فلا مانع من ذلك، وفي المقابل هناك عين الوكالات الولائية والجهوية للتّشغيل التي لها صلاحيات ضبط توازن سوق العمل بمنح الفرصة للجميع.
وهذه الثّنائية تكوين - أقطاب صناعية فلاحية خدماتية مبنية على تفكير عقلاني يراعي خاصة مطالب الآخر المستعجلة، زيادة على مقاييس إضافية قد لا تتوفر عند جهات ثانية، وكل ما يكوّن لا يوجّه إلى مؤسسات معنية وإنما المجال مفتوح في الاختيار لأن هناك ما يسمّى بـ «التشبع»، أي أنّ الورشات لا تستطيع استقبال أكثر ممّا لديها من عمال أو إقحامهم هكذا إنما المنطلق هو الجدوى.
وعليه فإنّ المقاربة القائمة على هذا الخيار أي تكوين - اقتصادي لا يعني أبدا البقاء في هذه الدائرة المغلقة، وإنما الهدف هو تفادي الوقوع في الحلقة المفرغة تكوين - بطالة، هذا ما يخيف مسؤولي القطاع بالرغم من المؤشّرات الإيجابية المتوفّرة لديهم عندما تمّ الربط بين التكوين والاقتصاد.
لإيجاد الجواب الشّافي والوافي على السّؤال المحوري: ماذا نريد بالتكوين والتعليم المهنيين؟ بعد كل هذا المسار الطّويل الذي أنجز حتى الآن، هل لامتصاص هذا الكم الهائل لمن دوّن على كشوفاتهم المدرسية «يوجّهون إلى الحياة المهنية» أم الارتقاء بالمفهوم إلى مستويات أعلى ويكون رافدا من روافد الاقتصاد الوطني تجاه مبادرة ما بعد عهد البترول!؟