إنشغال قطاع التكوين والتعليم المهنيين اليوم، هو الحضور المباشر في التحولات التي يشهدها الإقتصاد الوطني، وهذا بإعداد اليد العاملة المؤهلة القادرة على تقديم تلك الإضافة النوعية التي طالما جرى البحث عنها.
هذا التوجه الحالي مبني على رؤية استشرافية قائمة بذاتها، مدعومة بنظرة مسؤولة، قصد السعي الحثيث من أجل أن يكون التكوين والتعليم المهنيان في خدمة المنظومة الإقتصادية بالشكل المطلوب حقا، ليكون فعلا رافدا من روافد التحكم في مسار تعزيز القطاعات الحيوية لكل ما يلزم من أدوات العمل، وفق مقاييس صارمة، من ناحية المردودية.
هذا الحرص ما فتىء يزداد توسعا وترسخا لدى الجهات المسؤولة في القطاع، وهذا بالذهاب إلى خيارات واقعية وملموسة في هذا الإطار، كالرفع من تخصصات المدونة الوطنية للشعب من ٢٠ إلى ٣٠ تخصصا، وكذلك الاحتفاظ بنسبة ٨٠٪ من خريجي التمهين من قبل المؤسسات التي استقبلتهم في إطار التكوين التطبيقي، وهذه العينات من المؤشرات تؤكد على أن التكوين والتعليم المهنيين يعدان خزانا راقيا لليد العاملة النادرة في مد الإقتصاد الوطني بما يلزم من الكفاءات الحائزة على المعارف المشروطة في تخصصات معينة.
وهذه الأرضية المعدة بإتقان، ألا وهي مقاربة التكوين والاقتصاد، سمحت بالتحلي باليقظة في هذا الإطار، ونعني بذلك الإطلاع الدقيق على احتياجات الإقتصاد الجزائري، وتزويده بكل طلباته الملحة، لأن الأمر اليوم لا يتعلق بسوق الشغل فقط، كون السياق الراهن يحتم أن تكون هناك نقلة تتجاوز أي طرح ضيق، لأن القطاع أصبح جزءا من العناوين الإقتصادية الكبرى في الجزائر، مؤخرا تم إحصاء ١٠٠ ألف متربص في اختصاص إعادة تأهيل تجديد المباني وترميم القديمة منها.
هذا التحيين للمهن والتكيف مع الواقع المستجد دلالة على أن القطاع في تساوق مع حركية الواقع الإقتصادي في منحه كل ما يستحقه في مجال الحرف التي يقتضيها في هذا المجال، نظرا للإنفتاح الحالي وكذلك المنافسة والجودة، كل هذه المواصفات تجدها اليوم في مراكز التكوين والتعليم المهنيين عبر كامل الولايات.
ومما زاد في فرض هذا الطرح المنطقي، هو مراعاة طبيعة التخصصات انطلاقا من الأقطاب الصناعية، الفلاحية، والخدماتية الموجودة في كل ولاية، ليكون تكوينا من أجل القطاع الاقتصادي القائم هناك. بإعطائه الأولوية في الإستفادة من مهارات أبناء المنطقة، وكذلك توظيفهم وتوفير لهم مناصب دائمة.
هذه السياسة المهنية المعتمدة لا تتوجه فقط إلى التكفل بالموارد البشرية فقط، بل تضع في الحسبان مدى قدرتها على ولوج الإقتصاد بمفهومه الواسع الموفر للثروة والقيمة المضافة.
لذلك، فإن مقولة التكوين من أجل التكوين قد ولت إلى الأبد، ولم تعد لها مكانة في هذه الحيوية الجديدة، بل إن هناك تصورا واضحا لما بعد تلقي كل هذه المعارف وفق خارطة الاحتياجات الوطنية في شتى المجالات الراهنة، إذا ما قيس ذلك بالورشات المفتوحة ومشاريع الإستثمار وغيرها كلها تبحث عن اليد العاملة المؤهلة التي تضمن لها النوعية في العمل، وبالرغم من كل هذا، فإن كل هذه البرامج والمخططات الوطنية التنموية في حاجة ماسة إلى كل هذا الكم الهائل من التكوين، لذلك فإن الاستفادة من حرفة يدوية تضمن مستقبل الشاب، وسيجد منصب عمله إن آجلا أم عاجلا، سواء بالنشاط على مستواه الخاص، أو لدى جهات أخرى.
هذا هو اليوم الهدف من التكوين والتعليم المهنيين أي مواكبة سيرورة الإقتصاد الوطني والتكيف مع كل مستجداته خاصة في الظروف المالية الحالية، ليكون إلى جانب البدائل الأخرى للبترول.