كلمة العدد

طوق نجاة

فضيلة دفوس
23 جانفي 2018

رغم بعض العراقيل التي تعترض تطبيقات اتفاق السلم والمصالحة المنبثق  عن الوساطة الجزائرية، فإن دولة مالي استطاعت أن تضع قطار إعادة بناء مؤسسات الدولة على سكّته الصحيحة، وهي تسير بخطوات ثابتة حتى وإن بدت للبعض بطيئة، نحو تطبيع الوضع واستعادة الأمن والاستقرار، ما يسمح بالتفرغ لدفع عجلة التنمية وتحقيق تطلعات الشعب المالي الذي وجد نفسه في السنوات الأخيرة محصورا بين فكّي كماشة الإرهاب والفقر.
دولة مالي شهدت انهيارا تاما لمؤسسات الدولة بعد انقلاب ربيع 2012 الذي أطاح بالرئيس أمادو توماني توري، وكادت وحدتها تنسف بعد أن استلّ الانفصاليون في الشمال سيوف التقسيم، وعاث الإرهاب فيها فسادا ودمارا، وزاد التدّخل العسكري الخارجي وضعها سوءا وتدهورا فوجد الشعب نفسه بين رحى النزوح والتشرد، باختصار كادت هذه الجارة الجنوبية أن تسقط في الهاوية وتجر ّمعها دولا أخرى، لولا التحرّك الجزائري السريع والفاعل، الذي اعتمد مقاربة الحل السياسي القائمة على الحوار والتوافق والتي أثمرت بعد وساطة شاقة استمرت شهورا طويلة، اتفاق السلم والمصالحة المُوقّع في جوان 2015.  
 الاتفاق قضى بإزالة الأسباب العميقة للأزمة، وترقية مصالحة حقيقية قائمة على إعادة بناء وحدة وطنية تستند إلى قواعد مبتكرة تحترم السلامة الترابية وسيادة الدولة وطابعها الجمهوري، وتأخذ بعين الاعتبار التعددية العرقية والثقافية وخصائصها الجغرافية والسيوسيو - اقتصادية، وتسمح للجميع بالمساهمة في بناء مالي جديد.
كما نصّ على حتمية إرساء السلم والأمن والاستقرار دون أجل أو مهلة زمنية، وترجمة قواعد الحكامة الجيدة على أرض الواقع، وإلزامية محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان.
الاتفاق وضع خارطة طريق لإعادة الأمن والسلام إلى دولة مالي، ورغم بعض التعثّر في تطبيقه نتيجة العراقيل التي تضعها أطراف دأبت الاستفادة من الأوضاع المتأزّمة وتخشى أن يعرّيها الصفاء والاستقرار فيكشف الشعب خبثها وقذارتها، فإن الإرادة السياسية والشعبية متمسكة باستكمال عملية الانتقال السياسي واستعادة الوحدة من خلال  مواصلة الحوار وإقرار المصالحة الوطنية.
 وفي هذا الاطار، يتمّ التحضير والاستعداد لخوض غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرّرة شهري أفريل وجويلية القادمين.
وقد تعهدت السلطة المالية بقيادة إبراهيم أبوبكر كايتا، على إحاطة هذه الاستحقاقات بالشفافية التامة واعتبرتها محطة هامة في تاريخ هذا البلد الذي يسعى إلى تعزيز وحدة شعبه ولمّ شمله، من خلال ترقية الحوار السياسي وترسيخ التداول السلمي على السلطة.
كما أعلن الرئيس كايتا بمناسبة السنة الجديدة، أن اتفاق السلم والمصالحة، سيتعزّز بقانون «للوفاق الوطني» مستلهم من ميثاق السلم والمصالحة الجزائري الذي سمح بطي صفحة المأساة الوطنية، وأعاد الأمن والطمأنينة للعباد والبلاد.
وأكد بأن القانون الجديد، لا يكرّس اللاّعقاب ولا يشكّل اعترافا بالضعف ولا انكارا لحق الضحايا، وإنما ينصّ على استثناء من لم تتلطّخ أيديهم بالدماء من المتابعة، وهذا من شأنه دعم المصالحة الوطنية، وإعادة الاستقرار.
كما يتضمّن القانون إجراءات تهدئة بعد تعجيل التدابير الجارية والتعويضات الممنوحة للضحايا المعترف بهم، إضافة إلى برنامج إعادة إدماج كل الذين يضعون السلاح ويلتزمون علنا بنبذ العنف.
دولة مالي، وبالرغم من التحديات التي لازالت تواجهها، فهي تسير في الطريق الصحيح، ولاشك أن الحوار والتسامح سيقضيان على الخصومات التي تحاول الاجهاز على التعايش الضارب بجذوره في عمق التاريخ، وسيساعدان في إنجاح مسعى المصالحة التي تعتبر طوق النجاة الفعلي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024