إن إعلان الجزائر الذي توج الندوة الوزارية 14 لوزراء خارجية آلية (5+5) التي اختتمت، أمس الأول، بالجزائر، يعتبر بمثابة خارطة طريق حقيقية يمكن أن تعتمدها الدول الموقعة عليه لإيجاد حلول للازمات التي تعصف بمنطقتنا والتي تفجرت بسبب تغييب الحوار وتفضيل التصرفات أحادية الجانب ضمن نظرة إقصائية ضيقة لا تخدم السلم والاستقرار في منطقتنا، فشلها أصبح ظاهرا للعيان بعد أن تحولت بلدان بسبب التدخلات العسكرية، على غرار ليبيا، الى بؤر لتوتر مزمن بعد القضاء فيها على منطق الدولة ما خلف فراغا مؤسساتيا خدم الجماعات الارهابية المتربصة وسمح لها بفرض منطقها الدموي على هذا البلد الذي يعاني منذ سبع سنوات من فوضى عارمة حولته الى معضلة أمنية تهدد دول الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، سيما بعد تفاقم خطر التهديدات الإرهابية، الهجرة غير الشرعية وشبكات تهريب والاتجار بالبشر وكذا شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات... إلخ.
هذا المشهد الكارثي ماهو إلا نتيجة مباشرة لتغييب قنوات الحوار ما أدى الى تشتيت الجهود وإضعافها في مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بشكل جماعي وهي المحاذير التي كانت أطلقتها الجزائر في السابق عندما كانت تدعو بأعلى صوتها أن أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا سيفجر الوضع ويرهن الأمن والاستقرار في كل المنطقة وهاهي تدعو اليوم الى استبعاد هذه المقاربة في جهود البحث عن أي حل للمعضلة الليبية إيمانا منها أن اشتعال الازمة الليبية كان بسبب ذلك، في حين كان من الممكن تفاديها لو تم الاستماع الى الجزائر التي دعت منذ البداية الى تشجيع حوار ليبي- ليبي ايمانا منها بأن الحلول المستدامة هي التي تنبع من الداخل وليس المفروضة من الخارج.
ان توقيع الدول العشر على اعلان الجزائر هو صك اعتراف بصواب مقاربتها، خاصة وأن كل الدول المشاركة في الندوة أعلنت التزامها بالعمل سويا على بحث حلول سياسية سلمية لكل أزمات المنطقة عبر تعزيز قنوات الحوار والمشاورات وبالرغم من أن هذه المراجعات جاءت متأخرة ولكن لابأس، الوصول متأخرا أفضل من عدمه.