تعزّزت مكانة الأمازيغية بانجاز مكاسب ثمينة تندرج في إطار توطيد العناصر المشكلة لعماد الوحدة الوطنية، التي كانت ولا تزال وستبقى أقدس وديعة تركها شهداء ثورة أول نوفمبر للأجيال المتعاقبة، وتقتضي السهر على تأمينها طبقا لما يكرسه الدستور الذي حدّد الإطار الملائم للديمقراطية التعددية بما يضع العناصر الثابتة للهوية الوطنية المشكلة من ثلاثية الإسلام والعربية والأمازيغية في منأى عن أي توظيف حزبي أو سياسوي. وبذلك يتحصّن المناخ العام لتواصل البلاد مسيرة التنمية بكل مفاهيمها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية بمضامينها الصحيحة التي تقوم على مبادئ العدالة في توزيع الثروات وتعميق الحريات المختلفة ضمن سيادة القانون النابع من إرادة الشعب وفقا للمعايير الدولية المثلى.
لعلّ ابرز مكسب ينجز في ظل الهدوء والتبصر وبعد النظر بعد ترسيم الامازيغية لغة وطنية ورسمية واعتماد يناير الموافق لـ 12 جانفي عطلة مدفوعة الأجر الإعلان عن تأسيس أكاديمية جزائرية تتولى مهام العمل على ترقية اللغة الامازيغية وفقا لمناهج علمية وبيداغوجية تستعيد من خلالها طابعها الأصيل وتحميها من توظيف غير طبيعي ومن ثمة تخليصها من تبعات الماضي التي استثمرت فيها جهات اجنبية تحاول يائسة التشويش على مسار استرجاع الجزائر لاحد مقومات هويتها مثلما تلاعبت نفس الجهات وبدون جدوى بمقوم اخر في مرحلة التسعينات.
وتقع اليوم على الأكاديميين الجزائريين والمهتمين بمسائل اللغات والثقافة والتاريخ مسؤولية كبرى للمساهمة بجدية وبروح بناءة في تنمية وتطوير هذا المسار، خاصة وانه بلغ مرحلة من النضج من خلال اتساع رقعة تدريس اللغة الامازيغية في المنظومة التربوية والجامعية فيما يبدي المجتمع بكافة شرائحه قناعة بأنها مكسب للأجيال حيث يسجل إقبال جيد على تعلمها والاتجاه لتكريس التعامل بها تدريجيا على مستوى مرافق عمومية تتعامل مباشرة مع المواطنين الذين أصبحوا اليوم يدركون أن المعركة الكبرى تنجز في الساحة الاقتصادية والتكنولوجية لخدمة المجتمع بكافة مكوناته.
ولعبت المحافظة السامية للأمازيغية دورا فعالا في بلوغ هذه المرحلة المتقدمة على مسار تجاوز ترسبات موروثة عن الحقبة الاستعمارية التي عانى فيها الشعب الجزائري من مشاريع استهدفت غرس الفتنة وإشاعة التشكيك في الهوية، لولا أن قادة ونخب الحركة الوطنية في مختلف جهات الوطن تصدت لها وأحبطتها من أساسها. ويرتقب أن تتضاعف الجهود المتسمة بطابع جزائري اصيل يستوعب كافة العناصر المرتبطة بنشاطها وابرزها التنوع والثراء الذي تتميز به لغة الاجداد الذين كما يؤكده التاريخ منذ جذوره الاولى ارتباطهم بالنسيج الوطني بل وتبوأ الصدارة في الدفاع عن الهوية الوطنية مثلما جسدته اجيال متعاقبة تقدم للاجيال الجديدة صورة نظيفة لتركيبة منسجمة ومتناغمة للمجتمع الجزائري.
قد تكون الأوضاع الاقتصادية الصعبة عاملا سلبيا يعيق التقدم الذي تواصل الجزائر انجازه بعد أن تجاوزت بنجاح العديد من الصعوبات والعوائق وتخطت أكثر من مأزق بفضل خيارات إستراتيجية طوت مرحلة الفتنة التي تغذى منها الإرهاب لعشرية كاملة قبل أن يسقط بفعل المصالحة الوطنية التي توجت مسار الوئام المدني لتعبر منها البلاد إلى مرحلة البناء والتقويم واستئناف النهضة الشاملة بكل ما رافقها من تعثرات في مشاريع أو إخفاقات في خيارات سرعان ما يتم التكفل بتصحيحها وملاءمتها مع المتغيرات والتطورات دون الانحراف عن التوجهات الكبرى.
ويمكن من خلال العمل على مستوى ترقية هذا المكون الأساسي من خلال مد جسور التكامل والانسجام مع محيطه الطبيعي عن طريق الترجمة في الاتجاهين وتثمين القيم المشتركة بلوغ مرحلة نوعية يدرك فيها المجتمع الجزائري كل ما لديه من طاقات وقدرات من شانها أن تساهم في رفع التحديات لتواصل البلاد مسارها المتألق بين الأمم.