كلمة العدد

الحق سيعلو

فضيلة دفوس
19 ديسمبر 2017

لا شكّ أنّ ترامب لم يكن ليدوس على القرار الأممي الذي يقضي بفلسطينية القدس، لولا أنّه يدرك جيّدا أنّ ردّ الفعل العربي سوف لن يتجاوز حدود التنديد والاستنكار، وفي أقصى الحالات عقد القمم وتنظيم المظاهرات التي تجوب الشوارع لبعض الأياّم ثمّ ما تلبث ثورة الغضب أن تهدأ، ليعود الجميع إلى حياته الرتيبة، منشغلا بمشاكله اليومية اللّامتناهية.
كل الرّؤساء الذين سبقوا ترامب إلى البيت الأبيض، أحجموا عن تنفيذ قرار الكونغرس الصّادر عام ١٩٩٥ ، والذي يقرّ الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصّهيوني، طبعا فكلّهم كانوا متأكّدين بأن ردّ الفعل العربي سوف لن يقتصر على التنديد والشجب، بل يتعدّاه إلى استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة وفي غيرها من مناطق العالم، وحتى الموقف الرسمي كان يحسب له بعض الحساب.
لكن الآن، تيقّن ترامب بأن العالم العربي حاضن القضية الفلسطينية وحاميها، هو في أضعف أحواله، لهذا تجرأ و«طعنه» بقراره الاستفزازي أحادي الجانب الذي يسعى لتهويد القدس، وهي المدينة العربية التي كانت على مرّ العهود والأزمنة تجمع كل الديانات.
ترامب ومن ورائه أمريكا، لم يكن ليجازف بقرار غادر «يسطو» على القدس ويمنحها بغير وجه حق للاحتلال الصهيوني، لولا أنه مدرك للوهن العربي، متأكد بأن بلاد العرب كلها من خليجها إلى محيطها مشغولة بهمومها مكبّلة بمشاكلها، فمن سلمت من الوقوع في نيران الحروب الأهلية، والأزمات الدموية، وجدت نفسها بين أنياب الإرهاب الكاسر، ومن حماها الله من الأولى والثانية، تعيش أوضاعا إقتصادية خانقة في ظل انهيار أسعار النفط مصدر الدّخل الأساسي الذي أصبح مستباحا في يد الدمويين يبيعونه بأبخس الأثمان.
ولأن الأولى تجرّ دائما الثانية، فإن تدهور الوضع الأمني والاقتصادي العربي أثّر سلبا على الإجماع العربي وقاد إلى نسف الوحدة العربية، فاندثرت العلاقات الأخوية التي أصبحت من الماضي، وحلّت محلّها الخلافات والعداوات وقطع العلاقات، وبلغ الأمر إلى درجة شن الحروب أو التأليب عليها، وفي ظلّ هذا المشهد التراجيدي تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية إلى الحد الأدنى خاصة بعد أن أصابت عدوى الفرقة والانقسام أبناء فلسطين.
المؤكد أن ترامب ليس أكثر شجاعة ممّن تعاقبوا قبله على البيت الأبيض، هو فقط يحاول أن يستفيد من الوضع العربي المثير للشفقة ليمنح ما لا يملك (القدس) لمن لا يملك.
لكن إذا كان الضعف الذي يعيشه العرب اليوم لم يترك لهم قوّة لردّ صفعة ترامب، فإن صمود الشعب الفلسطيني وتمسّكه بقدسه واستعداده للتضحية بنفسه من أجل أرضه، سيكون القوّة القاهرة ليس فقط لقرار ترامب بل وللاحتلال الصهيوني.
وإذا كانت موازين القوى هي اليوم في غير صالح الفلسطينيين، فإنها غدا ستكون إلى صالحهم، فقط عليهم بمزيد من الصبر والتضحية والنضال، والالتفاف حول القضية بوحدة وتآخ، وإلى آخر الزمان ستبقى فلسطين عربية وعاصمتها القدس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024