لا يمكن للكيان الصهيوني أن يستمر دون محيط مضطرب أو غليان في فلسطين كونه يخشى الاستقرار والهدوء اللذين يمنحان فرصة لبروز القانون الدولي واتضاح الرؤية للشعوب في العالم الغربي بشان الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني خاصة حقه في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس. بالفعل، على أسوار القدس حيث المسجد الأقصى المبارك يقف الحل المنشود، الذي أراد الرئيس الأمريكي الالتفاف عليه متنكرا للشرعية الدولية بإعلانه وبدون وجه حق وفي موقف رفض الاتحاد الأوروبي تبنيه نقل سفارة بلاده إلى القدس ليفجر الأوضاع محليا وإقليميا ويدفع الشعب الفلسطيني المثقل بتداعيات الاحتلال العنصري والحصار الغاشم إلى انتفاضة أخرى ليكون فريسة للهمجية الصهيونية. هل يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بإعلان موقفه المشؤوم، الذي لم يسبق لرئيس اكبر قوة في العالم اتخاذه من قبل، الى توجيه الرأي العام الأمريكي والعالمي بشان مشاكله الداخلية خاصة الفضيحة المتعلقة بالتخابر الخارجي خلال الانتخابات الرئاسية التي فاز بها بممارسة هجمة العالمية تجسسية على منافسته هيلاري كلينتن، والقفز على مشاكله مع أكثر من جهة داخلية بما فيها نساء يتهمنه بالتحرش في فترات سابقة أو يريد التغطية على تعثر برنامجه الانتخابي القائم على مبدأ “أمريكا أولا” مما يعني الانسحاب من الالتزامات الدولية السابقة كما حصل مع اتفاقية المناخ وفلسطين حاليا. لقد قدم بقراره المتهور هدية للكيان الصهيوني لتستمر آلته الحربية والقمعية في الاشتغال مستغلا الظرف الراهن المتسم بانطواء الدول على نفسها خاصة في العالم العربي والإسلامي أمام الهجمة الإرهابية التي تستمر منذ سنوات بأشكال ومناهج مختلفة في محاولة لتحييد واستهداف مراكز تعتبرها مزعجة وتعرقل طموحات الهيمنة والسيطرة على مناطق النفوذ الطاقوية والممرات الدولية الحساسة للتجارة قصد الهيمنة على الأسواق الناشئة. كان منتظرا بعد فشل البرنامج الإرهابي الذي تكفلت “داعش” بتنفيذه خاصة في سوريا والعراق ولبنان وحقق لإسرائيل المزعومة مصالح إستراتيجية على الصعيدين الأمني والاقتصادي في الشرق الوسط وفي العالم تقريبا، انه سوف يتم تفجير الأوضاع لتامين ديمومة مبررات وجود هذا الكيان المصطنع بإرادة دولية غير عادلة على أساس وعد “بلفور” المشؤوم برعاية الاحتلال البريطاني لفلسطين حينذاك، وحصل بالفعل ما كان يخطط له اللوبي الصهيوني في بلاد العم سام بتفجير الوضع من القدس كونها المدينة الرمز وحجر الزاوية لأي تسوية أممية عادلة وشرارة لكل اتجاه يقود إلى غير البحث عن الأمن والسلام. لم يكن بإمكان الدول العربية والإسلامية التريث أكثر أو الانتظار أكثر، في وقت حسمت فيه قوى دولية يتقدمها الاتحاد الأوروبي بإعلان عدم إتباع الخطوة الأمريكية لما فيها من تطاول على القانون الدولي ومغامرة لا تحمد عقباها بالنسبة لمستقبل العلاقات بين الشرق والغرب بما فيها الامتدادات باتجاه إفريقيا وأمريكا الجنوبية. وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن تبذل أمريكا راعية ما يسمى مسار السلام في الشرق الأوسط جهودا بناءة لتعزيز الخطوات التي تحققت في بعضها تنازلات كثيرة عن الحقوق المشروعة حرصا على الأمن والسلم في المنطقة والعالم من خلال تبني حل الدولتين مثلما تضمنته المبادرة العربية المعلنة في بيروت قبل سنوات مضت، فاجأت أكثر من جهة معنية بانحيازها الذي فاق كل التصورات لصالح المحتل لتتصرف في مسألة يتوقف على حلها مستقبل العالم. غير أن الظاهر ان ترمب يواجه اليوم حالة أشبه بعزلة خاصة بعد قرار السلطة الفلسطينية عدم استقبال نائبه الذي يزور المنطقة واعتبار أمريكا منسحبة من دور راعي العلمية السلمية، وهو ما يمكن أن يكون بداية مشكلة للطاقم الحاكم في البيت الأبيض لمحاولة الخروج من وضعية لا تشرف بلد الحريات والحقوق والديمقراطية كما أسسها ابراهام نيلكولن.