توجد مادة الخبز إلى جانب الحليب في صلب الجدل القائم حول دعم الدولة للمواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، وارتفعت حدة النقاش عندما بادر بعض أصحاب المخابز بتطبيق زيادات تحت مظلة مطالب توجد حاليا على طاولة السلطات العمومية المختصة لمعالجتها، ضمن حوار مع الجمعيات التي تمثل المهنة.
يمثل الخبز القاسم المشترك بين الأسر الجزائرية كونه من بين العناصر الأساسية للقمة العيش بالنسبة للمواطن العادي ومن ثمّة لا يمكن التلاعب بأسعاره خاصة وأنه مدعم من الخزينة العمومية للدولة بالرغم من بعض ممارسات الغش وزيادة السعر بالأمر الواقع. الخبز العادي الذي يفترض بيعه بـ 8.50 دنانير يسوق منذ سنوات بـ 10 دنانير، فيما يفرض كثير من الخبازين تشكيلة توصف بالمحسنة تباع بين 15 و20 إلى 30 دينارا.
إذا كان أصحاب المهنة، التي تدرج أصلا ضمن الخدمة العمومية، يثيرون عوائق ومشاكل قابلة للنقاش يبررون بها مطلبهم بمراجعة السعر، فإن هناك جوانب عديدة يمكن البناء عليها لإرساء مسار اقتصادي يضمن وفرة المادة بسعر أدنى يضمن حقّ المواطن في الوصول إلى خبز يومه، في وقت خرجت من قفّته مواد أخرى أساسية مثل اللحوم الحمراء والأسماك وغيرها من المواد التي تمثل مصدر غذاء متوازن على غرار بعض الخضر والفواكه التي التهبت أسعارها في السنوات الأخيرة.
لا ينبغي لمن يمارس مهنة خبّاز أن يسقط في مقارنة بما حوله من نشاطات تجارية تدر أرباحا طائلة، وإنما يفترض فيه أن يكون مدركا لأهمية نشاطه المرتبط بالحياة اليومية للمواطنين وهو عامل جوهري يساهم في تعزيز الاستقرار من خلال تأمين الخدمة بما يوفر للأسرة الطمأنينة، بدل أن يحولها إلى رهينة مطالب تجارية يمكن معالجتها في الأطر القانونية. ولعلّ من فضلوا غلق محلاتهم وانصرفوا إلى أعمال أخرى في السوق الموازية قد تخلوا عن القسم المهني الذي سطّره التجار الجزائريون ومن بينهم الخبازون إبان ثورة التحرير عندما شنّوا الإضراب التاريخي الرمز فدخلوا بذلك إلى الذاكرة الجماعية.
توجد أكثر من طريقة لإعادة التوازن المالي لهذا النشاط ذي الطابع الجواري مثل مراجعة صاحب المهنة لمناهج العمل باعتماد طرق تسيير عصرية للمحل واستخدام عقلاني لمواد الإنتاج مع المساهمة في وتنمية ثقافة ترشيد الاستهلاك بتأمين وفرة الخبز طوال اليوم قصد كسر هاجس الندرة التي غالبا ما تكون مصطنعة بغرض تسويق الخبز المحسن بأسعار مرتفعة.
كما يتحمل المواطن العادي بدوره جانبا من المسؤولية في ارتفاع حجم التبذير خاصة في رمضان والمناسبات المختلفة كالأفراح وموسم الاصطياف بميوله إلى الرفع من الطلب وفقدان السيطرة على مؤشر الاستهلاك، لأن السعر في المتناول مما يترتب عنه ضياع كميات يمكن تصور قيمتها المالية وأثرها على الميزانية العمومية.
هناك حقيقة احترافيون في هذا النشاط يواصلون العمل ويتطلعون لإجراءات مرافقة دون التأثير على القدرة الشرائية للمواطن مثل إدراجهم في تخصيصات مناطق النشاطات الجديدة لتخفيف أعباء الإيجار، فيما يطرح تساؤل حول المخابز الصناعية التي استفاد أصحابها من دعم بمختلف الإشكال دون أن يوجد لهم أثر في تموين السوق، خاصة في زمن الاختلالات كما حصل مؤخرا قبل أن تتدخل السلطات العمومية لإعادة الأمور إلى نصابها إلى حين.