عودة الحديث عن ملف الحركى هذه المرّة ورد على لسان ساسة فرنسيّين أرادوا إضفاء عليه الطّابع القانوني من خلال إثارة الاتّفاقيات المتعلّقة بتنقّل الأشخاص الذي وقّع في ٢٧ ديسمبر ١٩٦٨ لإدراجه فيما يعرف بالملحق.
ونتساءل هنا وانطلاقا من هذه المعاينة عن الخلفيات الكامنة وراء هذه الصّلة المغرضة، والرّبط المتعمّد الذي يرمي إلى إضافة جزء آخر إلى هذه الالتزامات الثّنائية التي تتوجّه أصلا إلى كيان محدّد جدّا ألا وهم المهاجرون فقط، فلماذا يضاف إليهم كيان آخر ونقصد بذلك الحركى؟
وهذه الدّعوة الصّادرة عن هؤلاء السّاسة إنما هي عبارة عن انشغال موجّه إلى وزير أوروبا والشّؤون الخارجية الفرنسي لاطّلاعه على وضعية هؤلاء فيما يتعلّق دخول الأراضي الجزائرية.
ومهما قيل عن هذا الملف فإنّه لا يعقل أن يسعى البعض لإضفاء الطابع القانوني على قضية لا ترتقي أبدا إلى ذلك المستوى الذي يريده البعض، عمليا يستحيل تخصيص ما يعرف بـ «الملحق» لمسألة حسّاسة جدا بالنسبة للجزائريّين ألا وهي الحركى، تعد في المقام الأول مشكلا فرنسيا وليس جزائريا، نظرا للضّغط الذي يمارسونه عبر ما يعرف بالجمعيات النّاشطة في هذا المجال.
لذلك، فإنّ الجزائريّين يرفضون عودة الحركى عبر اتّفاقيات كانت مخصّصة للهجرة، لتكون بالنسبة لهم تغطية قانونية لم يحلموا بها منذ أن غادروا هذه الأرض الطّاهرة، زيادة على أنّ هؤلاء ليسوا بـ «مهاجرين» حتّمت عليهم الظّروف الذّهاب إلى ديار الغربة، وإنما التّاريخ كفيل وحده للحديث عمّا اقترفوه ضد أبناء جلدتهم.
المسألة ليست بهذه السّهولة التي يتصوّرها البعض، فاستنادا إلى ما سبق فإنّ الاستعمار هو الذي نقل هؤلاء إلى ما وراء البحر عند إعلان وقف إطلاق النار بين فرنسا والجزائر، وعددهم المضبوط موجود عند تلك الجهات وضعوا في مراكز خاصة، وفي إقامات أثارت غضبهم مقابل الخدمة التي قدّموها له خلال ٧ سنوات كاملة محاولتهم سحق الثّورة، لكن هيهات كل ذلك باء بالفشل الذّريع، وانتصرت الجزائر واستعادت سيادتها كاملة غير منقوصة.
وفي كل الأدبيات التّاريخية الفرنسية يريد أصحابها إيجاد ذلك التّبرير عندما يثار ملف هؤلاء الحركى باستعمال مصصلح
«الانتقام»، في حين تؤكّد الشّهادات بأنّ جيش التّحرير وقيادته ترفّعوا عن الدعابة الاستعمارية ولم يخوضوا في هذا الموضوع لأنّه لا أساس له من الصّحة، ومجرّد افتراءات ليس إلاّ.
من الضّروري التّذكير بالسّياق التّاريخي لأنّه في نهاية المطاف يحّمل المسؤولية للطرف الفرنسي تجاه هؤلاء، ولا يمكن بعد كل هذه الفترة الطويلة أن يعاد بعث كيفية دخول الحركى إلى الجزائر بتوفير لهم منفذ قانوني محاولة لإبعاد عنهم أي متابعات بالرّغم ممّا ارتكبوه ضد الجزائريّين من أعمال لاإنسانية. كل عائلة ماتزال تشهد إلى يومنا هذا غطرستهم واعتداءاتهم على العائلات التي كان والدهم أو أحد أبنائهم في الجبل، منهم من اغتالوهم رميا بالرّصاص انتقاما من التحاق هؤلاء بالثّورة.
لا يجب أن نخلط اليوم بين كل من هو مهاجر جزائري اضطر الانتقال إلى فرنسا من أجل لقمة العيش، والحركي الذي ارتكب الفضائع، ويراد لهما أن يكونا في سلّة واحدة.