من الطبيعي أن تثير وثيقة بحجم مسودة تعديل الدستور، كل هذه النقاشات وتفرز كل هذه المواقف بين الجزائريين. وغير العادي ولا الطبيعي، أن لا تكون هناك ردود أفعال، لكن بشرط أن لا يصل النقاش إلى الخوض في مسلمات جاءت في بيان أول نوفمبر، الذي يعتبر أول وأكبر وثيقة تحظى بإجماع الجزائريين وجود دساتير الجمهورية الجزائرية. لهذا فإن أي اقتراحات أو تعديلات تتنافي مع روح أول نوفمبر هي تنكّر لشهادة ميلاد الدولة الجزائرية؟
صحيح ننشد جميعنا نمط حكم جديداً، يحدث قطيعة إبستمولوجية مع الممارسات السابقة وما شابها من شذوذ سلطوي كاد يأتي على كيان الدولة نفسها. ولكن علينا أن نقرّ مسبقا أن السبب في تلك الانحرافات هي الرغبة السلطوية الفردية وليس المبادئ المؤسسة للدولة التي تنّص على العدالة الاجتماعية والتوزيعية للثروات وبسبب إدارة الظهر لمبادئ بيان أول نوفمبر وليس العكس - كما يتوهّم البعض -؟ وبالتالي فان الجزائر الجديدة المتصالحة مع تاريخها، تستمد روحها واستمراريتها من هذا البيان الذي كان المشكاة التي أخرجت الجزائر من أزماتها المتعاقبة، لهذا فان أي محاولة للبحث عن مرجعيات بديلة قد يدخلنا في دوامة بحث شاق لنصل بعده إلى سراب؟
من بين مظاهر الديمقراطية بل من أبهى صورها، إعطاء الكلمة للشعب من خلال استشارته كلما استدعت الضرورة. ولهذا من بين الآليات التي ستحسم كل هذه النقاشات، الإضافات والانتقادات للتعديلات المزمع إدخالها على الدستور سيبّت فيها الشعب الجزائري عبر استفتاء عام ومباشر وهو وحده من سيقرّر تزكية هذه التعديلات أو إسقاطها بكل حرية، سيادة وديمقراطية، أما النقاشات الحالية فهي مظهر من مظاهر الديمقراطية التي تكون فيها الكلمة الأخيرة للأغلبية.
إن الرهان الحقيقي سيكون الصندوق، لأن ما يفرزه هذا الأخير هو الكلمة الفصل، أما المواقف الفايسبوكية فإن بعضها أقرب الى معارك دنوكيشوتية مسبقة منها الى شيء آخر. لكن هذا لا ينفي وجود مساهمات ثرية وهادفة يحركها همّ المشاركة في بناء جزائر الغد بعيدا عن الخوض في مناكفات تحكمها اعتبارات ضيقة الأفق لا يمكنها أن تحمل هموم أمة وتطلعات شعب؛ الكلمة الأخيرة له وحده.