يبدو أن فرقاء ليبيا لا يكترثون مطلقا بجائحة كورونا التي أدخلت العالم أجمع في ظلام حالك ، و حوّلت حياته إلى كابوس مفزع ، فبينما خفت صوت السّلاح في العديد من مناطق العالم الملتهبة تحث ضغط الوباء القاتل و النداءات الداعية الى وقف الحروب و النزاعات للتفرّغ لمقاومته، التهبت بالمقابل ساحات الاقتتال في ليبيا ،و كأن كل طرف هناك يريد أن يستغل هذا الظرف الصحي الطارئ و انشغال المجموعة الدولية به لمباغتة غريمه و تحقيق مكاسب على الارض، ما يجرّ هذه الدولة التي تعيش عدم الاستقرار مند عقد من الزمن الى حافة الهاوية.
هكذا إذن و بينما كان الجميع يعتقد بأن مؤتمر برلين المنعقد بداية العام وضع الأزمة الليبية على مسار الحلّ ، عادت الجبهات لتشتعل بشكل واسع و متسارع ، فحفتر قرّر أن يستغل الفرصة ليحقّق النصر الذي عجز عن تحقيقيه خلال سنة كاملة من الهجمات التي يشنّها بهدف السيطرة على العاصمة طرابلس و بالتالي تتويج نفسه زعيما جديدا لليبيا ، و في المقابل أصرّ فائز السرّاج ، رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا أن يلحق الهزيمة بخصمه ، و هو فعلا حسب ما تظهره مجريات المعارك الدائرة في غرب ليبيا ، يحقّق مكاسب نوعية في مدن استراتيجية منها سبراتة و ترهونة و غريان.
ويتزامن التصعيد العسكري هذا مع الفراغ المسجّل على مستوى مهمّة المبعوث الأممي المكلّف بالملف الليبي بعد استقالة غسان سلامة و عدم تعيين خليفة له الى غاية الآن .
فرقاء ليبيا لا تعنيهم على ما يبدو المخاطر الكبيرة التي يحملها وباء كوفيد 19 ولا ما يتكبّده الشعب من ويلات الحرب والمصاعب الإنسانية و الاقتصادية التي تسبّبها، لهذا نتوقّع مزيدا من إراقة الدّماء في ظلّ تراجع الجهود الدولية و الاقليمية للتوصل الى تسوية سلمية للصراع بسبب الانشغال بمحاربة وباء كورونا و تداعياته الاقتصادية المريعة، كما نتصوّر أن يتوسّع الشرخ لتصبح الوحدة الترابية لليبيا مهدّدة بالتّقسيم ، فيتفتّت الوطن بيد زبانية الحرب و من يقف وراءهم و يدعمهم بالسلاح و المرتزقة .
في الواقع نحن لا نضع نظارة سوداء ، ولا نتعمّد قراءة ما يجري هناك بتشاؤم ،فليبيا دخلت بالفعل منعطفا صعبا ، الخروج منه يتطلّب إرادة داخلية قويّة تقدّم مصلحة الوطن و الشعب على مصلحة من تحرّكهم جهات خارجية كالدمى من وراء السّتار ليذبحوا أرضهم و يمزّقوا وحدتهم ، و يبقى الحلّ في البداية و النهاية سياسي و بيد الليبيين لا غير.