كانت الحروب التقليدية وحتى النووية تقرّب بين الشعوب المحبة للسلام والمناهضة للاستعمار، متحملين التضحيات والآلام، غير أن فيروس كورونا قلب المعادلة وأخلط المفاهيم، بعد أن شنّ حربا صامتة على البشرية قاطبة، متحديا كل الحدود وأنظمة الرصد الإلكتروني، واضعا منظمات عالمية عريقة تتقدمها الصحة العالمية والأمم المتحدة على هامش تطورات مشهد الوباء العالمي.
«الفيروس»، الذي لا يفرق بين الشعوب ولا مراكز الدول والأفراد ولا يعير القوى المهيمنة ما كانت تتبجح به مقابل الأمم تلك المستضعفة، قلب الأمور رأسا على عقب مخلفا في طريقه ضحايا بالآلاف، فرض قبول وقف إطلاق النار في ليبيا بإعلان حفتر الموافقة عن هدنة مع الوفاق بطرابلس، كان قد رفضها رغم إلحاح دول ومنظات دولية...
أمريكا ترامب، تعرض مساعدات على إيران، عدوها المحاصر بعقوبات خانقة ضاعفت من تداعيات عدوى «كوفيد-19» في بلد لا يبدو أنه سهل المراس ويرفض عرض واشنطن، كون الحسابات قديمة ولا تبدو تتجه إلى حل سلمي...
إيطاليا، بدورها، تركها حلفاؤها في أوروبا لتواجه قدرها المحتوم، في غياب تضامن أوروبي أظهر فشله أمام أنانية يمين متطرف في بلدان، وهشاشة بنية صحية لبلدان أخرى، كانت تبدو أكبر مما هي عليه اليوم.
في بلادنا أيضا، أزاح الفيروس القناع عن سلوكات تسبح عكس تيار مواجهة الوباء الذي يهدد الجميع، غير آبه بإديولوجيات البعض وشعارات البعض الآخر، في ظل ظرف انتقل فيه المواطن إلى درجة تأهب قصوى غير مبال بادعاءات أوساط لا تريد الخير للجزائريين وتسعى بكل الوسائل، بما في ذلك الإشاعة، للتهويل ليس خوفا من الفيروس وإنما لضرب معنويات المجتمع.
لكن داخل المجتمع، وبفعل الهلع، أحدث كورونا مفارقة بين ابتعاد الفرد عن أخيه تحت تأثير الشبح، والتقاء الأسرة مجتمعة تحت الحجر الوقائي الإرادي، بل الأهم معانقة الرضع لأمهاتهم والتخلص من روضات تفتقر للحنان.
بالمقابل، وجدت «فيروسات» الأسواق من مضاربين وغشاشين المناخ للمضاربة والتلاعب بقوت المواطن الصامد أمام الوباء وكلفته وإخوانه من لصوص القدرة الشرائية ومهددي السلم الاجتماعي الذين يتم التصدي لهم بحزم ليكونوا عبرة.