يحيي الشّعب الجزائري غدا الذّكرى 59 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 تحت شعار «مصمّمون على الانتصار»، وهذا عشية إجراء الانتخابات الرّئاسية ليمتزج الحدثان البارزان بين ما هو تاريخي وسياسي لاستكمال مسيرة بناء الدولة الوطنية كما وردت توجّهاتها في بيان أول نوفمبر 1954، قائمة على مبادئ العدالة الاجتماعية، التّضامن وتكافؤ الفرص.
وإن كان عنفوان 11 ديسمبر 1960 عجّل باسترجاع السيادة، وأجبر فرنسا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والتوقيع على اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962 واعترافها الكامل باستقلال هذا البلد دون نقصان، فإن موعد 12 ديسمبر 2019 يندرج ضمن امتدادات هذا المسعى المبني على ديمومة الدولة الوطنية في تأدية رسالة الشّهداء الأبرار والمجاهدين الأطهار في صون الوديعة وحماية الأمانة، ونقلها بسلاسة من جيل إلى جيل بكل ما تحمله من ثقل المسؤولية.
هكذا هو المسار النّضالي للشّعب الجزائري، خرج منتصرا من حرب ضروس ضد فرنسا تاركا مليونا ونصف مليون من الشّهداء في ساحة الوغى من أجل أن يكون حرّا طليقا بعيدا عن أي وصاية على قراره، وكان له ما أراد منذ أن تولى إدارة شؤونه بنفسه سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا عن طريق نماذج تسيير أملتها تلك الظّروف المتولّدة عن حتمية السياقات آنذاك.
وبالرّغم من الهزّات القويّة لتغييب الدّولة الوطنية المنبثقة عن الوثيقة التّاريخية الخالدة، فإنّ المرجعية النّوفمبرية قاومت ما أفسده الدّهر بكل هدوء، أطاحت بكل المحاولات اليائسة باسم الاصلاحات وغيرها من الشّعارات البرّاقة في كل مرحلة ترفع، دلالاتها خطيرة جدا دشّنها أصحابها بمقولة «التاريخ في المزبلة» خلال بداية الثمانينات ثم تلاه تقليص الحجم السّاعي في المقرّر الدراسي، وتشويش أذهان التلاميذ في تعليمهم لهذه المادة الحيوية بحرمانهم من منهجية بيداغوجية مرنة لا تحدث ذلك الخلط في أفكارهم حتى لا يكرهون التاريخ.
ففي كل مرّة تعترض هذا الشّعب مواقف صعبة إلا ويستحضر عبقريته في إيجاد المخرج المناسب دون التدخل الأجنبي، وتداعيات 22 فيفري عيّنة حيّة لما ذكرناه سالفا على أنّ الحل جزائري مهما حاولت القوى الخفية ومن سار على دربها فرض واقع معين علينا مرفوض جملة وتفصيلا، وهذا ما شددنا عليه بخصوص القرار السيادي للجزائر.
ماحدث خلال الأيام الأولى من شهر ديسمبر وإلى غاية 11 منه، هو الرّفض القاطع لإستمرار الهيمنة الاستعمارية الفرنسية على الجزائر، وهكذا قرّر الشعب الجزائري الخروج بقوّة لمواجهة عساكر الاحتلال، وبالرغم من قمعه الوحشي للمتظاهرين وإطلاق النّار على الأبرياء العزل، إلا أنّه نجح في نقل رسالة واضحة المعالم إلى المحتل بأنّ أيّامه على هذه الأرض الطّاهرة معدودة، وسيرحل عنها إن آجلا أو عاجلا.
وهكذا تتعانق الأحداث الوطنية التّاريخية بنظيرتها السياسية لدعم وتعزيز ركائز الدولة الوطنية، ببناء مؤسّسات تكون مستوى تحديات المرحلة.