على نفس المنوال، تواصل تونس نهج التحول السياسي السلمي، فارضة تجربتها على باقي الدول التي عرفت ما اصطلح على تسميته بـ «الرّبيع العربي» ولم يخرج الكثير منها بعد، بسبب غياب الرؤية التوافقية، التناحر الإيديولوجي وتمسّك كل قوى إلى حد التّطرّف بالقاعدة «مشروعي أولى بالاعتبار».
عكس هذا المشهد المضطرب، اختارت تونس الطّريق السّليم في مواصلة تعزيز المسار الديمقراطي، معتمدة على تجربتها الخاصة وقرارها السيادي دون القبول بوصفات الآخر. والنّتيجة أظهرتها الانتخابات الرّئاسية التي جرت في ظروف، احترم فيها المترشّحون قاعدة التّنافس دون تطاول أحد على آخر، مدركين أنّ مصلحة تونس ومتطلّبات الراهن السياسي والاقتصادي والأمني فرض اختيار قيس سعيد لقيادة الجمهورية بنفس التحدي والعزيمة. وهو قيادي جمع بين تطلّعات مكوّنات البلد وغيرتهم على الخروج من مرحلة الاهتزازات بأقل كلفة وأقصرها مسافة.
وقد ترجم هذا الخيار بدقة غير منتهية قيس في مختلف المسار التنافسي بدءا من الحملة الانتخابية إلى آخر الكشف عن نتائج الاقتراع، مؤكّدا عبر المنابر والفضائيات الإعلامية أن تونس أحق بأن تستعيد موقعها في المحيط الجيوسياسي، وتكون لها كلمة في مسرح المتغيرات وتلاحق الأحداث وصيرورتها.
وزادت قوة الرجل الذي أظهر مواصفات الزعامة والقيادة في المناظرة التلفزيونية مع المترشّح القروي بالضرب على وتر «الشّعب يريد»، مؤكّدا على إعلاء مصلحة البلد ووضعها فوق كل اعتبار، في محيط إقليمي ودولي يغلي كالبركان، تحرّكه قوى الداخل والخارج وفق حسابات أملاها التصارع الدولي، والسّباق على أشدّه من أجل إعادة رسم الخارطة العربية وتجزئة المجزا.
وجدّدها الرئيس المنتخب بمجرد الاعلان عن نتائج الانتخابات بالقول الصريح «إنّه رئيس جميع التّونسيّين»، كاشفا أنّه رجل إجماع ويتعامل مع كل الأطياف والمشارب، غايته العمل ما في المقدرة من أجل النهوض بالبلد سياسيا ،بتوحيد قواه حول مشروع بنائي توافقي يجد فيه كل تونسي مكانة وتبجيلا، ولا يشعر فيه أحد بالحقرة والتهميش، أمنيا الذهاب الى الأبعد في استتباب الأمن باعتباره الحلقة المفصلية، والمؤدّي الى الحركة الاقتصادية المولّدة للثروة، وإعاش السياحة مدخل البلد الرئيسي المتضررة كثيرا من التجاذبات.
أظهر قيس عبر مختلف منابر الاتصال والتواصل أنّه شخصية محبّذة للحوار، ومشروعه النّهضوي الذي يأمل أن تتجاوب معه الطبقة السياسية والمجتمع المدني، يحمل هدفا أسمى «التّجنّد لخدمة تونس»، والتضحية في سبيل تعزيز اللّحمة الوطنية، ورفض الدخول في أيّة مغامرة سياسية ليس للبلد أي مصلحة فيها.
من البساطة والتّواضع إلى أقصى الحدود، استطاع قيس في ظرف قصير أن يجمع التّونسيّين حول غاياته ويكون شخصية التّوافق لديهم، والأفكار التي كان يعرضها خلال لقاءات يقول إنّها عفوية بالمقاهي والسّاحات العمومية، التقطها التّونسيّون بتلهّف وجعلوا منها انطلاقة نحو مشروع واقعي يجسّد خطوة خطوة دون اندفاعية، وبعيدا عن كبريات الأشياء والوعود الوهمية التي لا تجسّد مثلما عرفتها تجارب سابقة، وولّدت انفجارات وانكسارات.