طباعة هذه الصفحة

زغيدي لـ «الشعب»:

علينا إعداد فرد يمكن الاتّكال عليه في صون الأمانة

سهام بوعموشة

توريث القيم التّاريخية في مدارسنا الموسيقية وتمجيد الشّهيد بالأغاني الوطنية

أبرز الأستاذ الجامعي والمؤرخ الدكتور محمد لحسن زغيدي، ضرورة توريث القيم التاريخية للأجيال في مدارسنا الموسيقية وتمجيد الشهيد بالأغاني الوطنية وسير أبطال الجزائر، الذين ضحّوا بالأمس ليصنعوا مجد اليوم، وكذا إعداد فرد يمكن الإتكال عليه في صون الأمانة والحفاظ على الوديعة، مشيرا إلى أنه لا يمكن المقارنة بين جيل اليوم وجيل نوفمبر من حيث الكمية والنوعية ومستوى الوعي الذي كان عليه ذلك الجيل.
في هذا الصدد، أوضح الدكتور زغيدي أن شباب نوفمبر تربى في ظرف خاص، ونشأ نشأة خاصة وأعدّ إعدادا خاصا رغم أن كل الظروف المحيطة به كانت ضده، وتعارضه وتسعى لمسخه وفصله عن الهوية والوطن، إلا أن المدارس التي احتضنته وهي المدارس الوطنية الممثلة في الأحزاب التي كانت على الساحة، خاصة ما ظهر أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، جعل  الاستقلال هدفا وغاية ومقصد كل الناشئة الجزائرية بكل مكوناته المدنية والريفية.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن هذا الجيل الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية كان يسير وفق هذا المنهج الثقافي الذي نشرب منه، وهو أن المواطنة بالنسبة له كانت تعني الوطنية أي التضحية في سبيل استرجاع الحرية والاستقلال، ولذلك حين اندلعت الثورة وجدت الجيل مهيئا وطريا، من جميع مشارب تلك الحركة الوطنية الموجودة آنذاك وعلى رأسها حزب الشعب الجزائري، الذي كان هدفه تكوين الإنسان فيما يخدم الوطن.
لكن شباب اليوم قال زغيدي ورغم تعدّد المدارس بالمنظومة التربوية الجزائرية التي أصبح عددها أكبر من عدد سكان الجزائر ما بين سنتي 1954 و1962، أي 10 مليون متكون في المنظومة التربوية، ناهيك عن التكوين المهني والمدارس الحرة الأخرى، وعدد الطلبة بالجامعات يقارب 2 مليون طالب، على عكس ما كان سنة 1954 بوجود أربع ثانويات فقط يدرس فيها 3 آلاف فتاة من السنة الأولى إلى الثالثة ثانوي، وعدد الطلبة بجامعة الجزائر كان 518 طالب، إلاّ أنّنا لم نستطع الوصول إلى النوعية التي كان عليها جيل نوفمبر، متسائلا هل استطعنا تقديم العدة التي كانت لجيل نوفمبر، رغم تطور الإمكانيات وتوفرها، والفارق الكبير في المستوى المعيشي والاجتماعي، الذي يتوفر عليه التلميذ والطالب اليوم، زيادة على نوعية وعدد المعلمين والمشرفين من حيث المستوى التحصيلي العلمي بين معلم وأستاذ الأربعينيات ومعلم وأستاذ اليوم، مؤكدا أن هذا الفارق الذي لا يقارن من حيث الكمية ولا يقارن أيضا من حيث النوعية ومستوى الوعي الذي كان عليه جيل نوفمبر.
وتساءل أيضا عن مدى تمكن المنظومة التربوية من جعل التاريخ الوطني الحاوي للذاكرة الوطنية سلاحا واقيا لهذا الجيل، وغرس فيه قيمة الحرية التي تميز بها جيل الأمس وتسليحه بثمن الحرية التي دفعته أجيال الأمة الجزائرية في سبيل استرجاعها، حتى نصنع منه جيلا يستطيع أن يكون في مستوى جيل نوفمبر، وكذا هل مكناه من حفظ التاريخ والأسماء وسير أبطاله الذين ضحوا بالأمس ليصنعوا مجد اليوم، وأن المستوى الذي وصلنا إليه اليوم بفضل تضحيات الأمة.
ويرى المؤرخ أنه لابد من تربية جيل اليوم على قيم الشهداء حتى نجعل منهم الاقتداء والنبراس، وتعريفهم بأبجديات العلم والنشيد الوطنيين ورموزهما والتضحيات التي أعطيت في سبيله، وأن هذه الأرض سقيت بدماء 10 ملايين شهيد خلال مسيرة التضحية دون توقف طيلة 132 سنة من 1830 إلى 1962، وأن هذا الشعب هو الوحيد الذي مورس عليه التصفية في المكان والزمان طيلة الاحتلال، لم يعرفها شعب آخر في العالم، قائلا: «هل علّمناه أنه بدون تاريخ لا يستطيع أن يجعل للإنسان قيمة على ظهر على الحياة، هل مسرحنا مازال مسرحا يعلم الوطنية ويورث قيمها التاريخية للأجيال؟»، علاوة على تعليم جيل اليوم استثناءات في العولمة بأن الخصوصية التي يستقى منها الرمزية والنوعية غير قابلة للذوبان والمساومة.

إلى أين وصلنا في كتابة الحقائق التّاريخية التي لا يرقى إليها الشّك والتّزييف؟
 
في هذا السياق شدّد الباحث على توريث القيم التاريخية للأجيال في مدارسنا الموسيقية والفنية، عبر الألحان والأغاني الوطنية التي تمجّد الشهيد وتغني للعلم والوطن وتربّي الناشئة، وتعريفه  بأسماء الشهداء التي يحملها الحي الذي يقطنه والجامعة التي يرتقي بها، والمدرسة التي يدرس فيها، وتعليمه أن العادات والتقاليد التي تميز بها الشعب وحافظ على الهوية في وجه المسخ والنسيان، والإرغام على إرتداء لباس الغير، والتي صنعت جيل نوفمبر وينبغي توريثها للأجيال القادمة، متسائلا إلى أين وصلنا في كتابة الحقائق التاريخية التي لا يرقى إليها الشك والتزييف.
هذه الأسئلة التي يجب أن نقف عندها وقفة تأمل وتقييم ودراسة - قال زغيدي - حتى نتمكن من أن نقارن أين نحن من ذاك الجيل، وهل نحن في مستوى ذاك الجيل؟ وأين وصلنا في تجسيد رسالة الشهداء والسير بها إلى المستقبل المنشود؟ مشيرا إلى أن الشعوب حينما تقدم استعراضات في جميع الانجازات والمهام،  تقول لشعوب العالم هذا من منجزات دولة التضحيات والوفاء لروح الشهداء.
 وأضاف: «نريد أيضا أن نقول أين وصلنا في تكوين وإعداد الفرد والاتكال عليه في صون الأمانة والحفاظ على الوديعة، لأن من أبجديات رسالة الشهداء أن على كل أبناء الجزائر أن يكونوا كأعضاء للجسد الواحد في التعاون والتكامل والوحدة من أجل صون الوطن بما يضمن له تطوره والمنافسة مع الشعوب الأخرى التي نعتبرها اليوم نموذجا في التطور»، مؤكدا أن الجزائر تملك تاريخا نموذجا في التحرر.
ويرى الدكتور زغيدي أنه إذا استطاعت الجزائر اليوم، أن تبني مؤسسة في مستوى المهمة من حيث الحفاظ على الأمن وضمان الاستقرار، والحفاظ على الاستقلال وحماية الوطن في حدوده، وفي داخله لصد كل أشكال العدوان الداخلي المتمثل في الإرهاب والخارجي المتمثل في التحرش على الوطن، لابد أن يقابل ذلك في المنظومات التكوينية تكوينا يعد رجالا يحملون نفس الرسالة، في شكلها المدني وفي رسالتها الحضارية المدنية.