الجزائر صارت فاعلا موثوقا ووسيطا يسمع لرأيه
يقدم الدكتور بوزيان مهماه، الخبير الطاقوي، قراءة دقيقة في نتائج آخر اجتماع جمع بين الدول المصدرة للنفط «أوبك» وشركائها من المنتجين المستقلين بفيينا، وكشف عن رؤيته الاستشرافية حول مدى تأثير قرار الرفع من الإنتاج على الأسعار وتوازن السوق، مسلطا الضوء على الدور الذي لعبته الجزائر ومازالت بتأثيرها بفضل دبلوماسيتها الطاقوية في التنسيق وتقريب وجهات النظر.
- «الشعب»: ما هي قراءتكم للنتائج الأخيرة التي أفضى إليها اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وشركائها من المنتجين المستقلين في فيينا؟
الدكتور بوزيان مهماه خبير في شؤون الطاقة: بداية أذكر بأن نتائج اللقاء الأخير بفيينا جاءت متوقعة، علما أننا أشرنا بذلك في حواراتنا السابقة مع جريدة «الشعب»، خاصة منذ اتفاق الجزائر التاريخي المنعقد في شهر سبتمر 2016، حيث تم آنذاك التوافق على القيام بتخفيضات وتسقيف الإنتاج في حدود 33 إلى 32.5مليون برميل يوميا، ثم بعد ذلك تم ترسيم ذلك في لقاء فيينا، مع نهاية عام 2016، وعقب ذلك تم تقاسم حصص التخفيض بين أعضاء أسرة «أوبك» مع إعفاء كل من ليبيا ونيجيرا، وهذا ما سمح بتعزيز منحى الاتجاه الإيجابي لأسعار النفط نحو مستوى أعلى، وقد تعزز هذا المنحى من خلال عمل لجنة المتابعة الوزارية الخماسية، التي تضم في عضويتها الجزائر وكلفت بمهمة متابعة حالة السوق النفطية العالمية، واقتراح الخطوات العملية والإجراءات التي بإمكانها تسريع الوصول إلى وضعية التوازن في السوق النفطية العالمية، كما أن هذا الاتفاق التاريخي ومن خلال عمل المتابعة، قد تحول إلى مسار أطلقنا عليه «مسار الجزائر، لأنه ارتقى إلى مستوى الالتزام الحقيقي والتوافق الملموس بين مختلف أعضاء من خارج «أوبك»، بما سمح إلى تمديد هذا الاتفاق إلى غاية نهاية 2018، كما تم الوصول إلى نسب استثنائية في الالتزام بالتخفيض تجاوز السقف المحدد، وبالعكس وصفت من قبل كل الجهات المتابعة للسوق النفطية، أنه التزام تاريخي بحيث وصلت إلى نسبة 152٪ كالتزام، لكن هذه الوضعية بقدر ما هي إيجابية، وتدل دلالة قاطعة على مستوى النضج والوعي والتوافق بين «أوبك» وشركائها، فقد خلقت فجوة في المعروض النفطي، حيث أن التقرير الأخير لأوبك لشهر جوان، أشار إلى أن «أوبك» تنتج 11.860مليون برميل يوميا، أي أقل من السقف المحدد في تخفيضات إتفاق الجزائر- فيينا، هذا الرقم أيضا يعضده تقرير الوكالة الدولية للطاقة، الذي أشار أن أوبك تنتج 11.9مليون برميل يوميا، وبالمقابل تمكنت الأسعار من كسر الحاجز النفسي في الأسواق وهو 80دولارا للبرميل، وهذا الوضع بقدر ما كان لافتا للنظر وله انعكاسات إيجابية على مداخيل كل الدول المصدرة للنفط، إلا أنها خلقت ثلاثة اتجاهات متباينة:
الاتجاه الأول:
يخص أوبك وشركائها حيث ظهر تباين في وجهات النظر حول السعر العادل والمتوازن والمستدام لبرميل النفط، فإيران مثلا ترى بأن الس
عر ينبغي أن يكون في حدود 60 دولارا للبرميل، وروسيا ترى بأنه ينبغي أن يكون في حدود 65 دولارا للبرميل، والسعودية ترى أنه من المقبول أن يكون ما بين 70و75دولارا، وكذلك الجزائر ترى بأنه ينبغي أن يكون في حدود 70دولارا.
الاتجاه الثاني:
يخصّ الدول المستهلكة حيث برز توجه ظاهر لدى كبار المستهلكين، خاصة الصين والهند بضرورة الاستفادة من التمويل النفطي بأسعار منخفضة.
الاتجاه الثالث:
يخصّ الولايات المتحدة الأمريكية، كأكبر منتج ومستهلك في الوقت الحالي، حيث وصل الأمر بالإدارة الأمريكية من خلال الكونغرس، إلى تهديد «أوبك» بفرض عقوبات قاسية عليها، واتهامها بالتلاعب بالأسعار، ودعت إلى ضرورة إبقاء أسعار برميل النفط منخفضة، وهذا ما يقودنا إلى طبيعة الأجواء التي جرى فيها لقاء فيينا الأخير سواء بين «أوبك» أو بين «أوبك» وشركائهاالـ 10.
الاجتماع الأخير متوافق مع روح اتفاق الجزائر
- برأيك لماذا أقدمت «أوبك» وشركائها من المنتجين المستقلين إلى الزيادة في الإنتاج، بعد أن كانت تخوض جولات ماراطونية مكثفة لتخفيضه بهدف تصحيح الأسعار؟
بالنظر بعين التفحص والتدقيق لقراراتها المتوجة بالتوافق بين مختلف الأعضاء، والقاضي برفع الإنتاج على مستوى «أوبك» بـ 757ألف برميل وإمكانية وصوله إلى 1مليون برميل في تدخل من طرف بقية الأعضاء خارج «أوبك»، وهنا أؤكد أننا نتحدث عن رفع وليس عن زيادة الإنتاج، لأن الفرق مهم جدا في هذه الظروف، فأوبك وشركائها لم يقرروا الزيادة خارج مضامين اتفاق الجزائر التاريخي، وإنما قاموا بتصويب منحى التخفيض الذي أصبح سلبيا وطالبوا بوضوح وصراحة أن يلتزم كل عضو بحصته، وأن يزيد من إنتاجه بردم الهوة والفارق الذي خلفته التخفيضات الطوعية، لذا لما نقوم بحساب التخفيضات الطوعية السلبية التي كانت أقل من سقف الإنتاج المتوافق حوله، نجدها في حدود الرقم المعلن عنه في البيان الأخير كخطوة لرفع الإنتاج، لذلك من الأهمية أن نقول بأن هذا اللقاء الأخير جاء متوافقا مع روح اتفاق الجزائر ومتطابقا مع مقررات اتفاق فيينا، ولذلك نقول بكل ثقة أن هذه القرارات هي معززة ومعضدة لمسار التوافق ولأسعار برميل النفط، ولمسعى الوصول إلى توازن السوق النفطية العالمية.
- ما هو تأثير الاتفاق الجديد القاضي بالرفع في الإنتاج على سعر برميل النفط؟
أعتقد أنه مع هذه القرارات ستبقى أسعار برميل النفط في نطاق 70دولارا للبرميل، لكن مع أخذ بعين الاعتبار لجملة من التغيرات الضاغطة على المشهد الطاقوي على العموم مستقبلا، وبإمكانها أن تسبب تذبذبات كبيرة وخطيرة في أسعار برميل النفط، ونخص بالذكر منها ما يلي:
1- الحرب التجارية الناشئة بين أمريكا من جهة والصين والإتحاد الأوروبي وكندا، لكن أشدها خطورة الحرب الناشئة بين أمريكا والصين على اعتبار أن الصين قد أقر خطوة متقدمة بإقراره التوقف عن استيراد النفط الخفيف الأمريكي، وعلى خلفية أن الصين من أكبر المستهلكين والمستوردين للنفط في العالم، لذلك تداعيات هذا المعطى سوف يغير من وضع الاقتصاد العالمي، الذي يشهد حاليا نسبة النمو، وعلى أساس نسبة النمو بنيت مختلف التوقعات مستقبلا لاستهلاك النفط، لكن في حالة استمرار واتساع هذه الحرب التجارية الناشئة، ستقلب هذا المعطى وسوف تتسبب في تراجع نسبة نمو الاقتصاد العالمي، وبمعنى آخر تباطؤ الطلبات العالمية على النفط.
2- في حالة ترسيم المسعى الصيني الهندي القاضي بتشكيل كارتل عالمي للمستهلكين، قد يضم في البدء كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، هذا الكارتل يتوخى من خلاله تشكيل إطار وازن مقابل «أوبك»، يضغط لتعديل الأسعار لصالح المستهلكين.
3- الضغوطات الأمريكية التي ليست فقط سياسية، وإنما فيها بعد تقني ينبغي الإشارة إليه، حيث انه وصل سعر برميل النفط إلى أعتاب 70دولارا للبرميل، وكان فارق السعر بين خام البرنت والخام الخفيف الأمريكي، قد تجاوز 10دولارا، وحين نعلم بأن أمريكا تصدر النفط الخام الخفيف وتستورد النفط الخام الثقيل، الذي يتلائم مع منشآت التكرير التحتية، هذا المعطى جعل الإدارة الأمريكية تفكر بطريقة براغماتية، أي أنها في مواجهة فارق 10 دولارا للبرميل بين الخام المصدر والمستورد، فإن ذلك سيكلفها في المبادلات التجارية، هذا ما جعلها تضغط بقوة على الأسعار على ما هي عليه في الوقت الحالي، حتى يتقلص الفارق بين البرنت الخام والأمريكي.
5- هناك تأخر بعض البلدان في إنتاجها بسبب مشاكل داخلية، نخص بالذكر ليبيا والعراق وأنغولا على وجه الخصوص، وأعتقد بأن هذه العناصر قد تجعل من مختلف توقعاتها لأسعار برميل النفط مستقبلا تدخل دائرة الضبابية واللايقين.
ترّقب لقاء سبتمر المقبل بالجزائر
- لعبت الجزائر ومازالت تلعب دورا فاعلا في التنسيق وتقريب وجهات النظر مستغلة في ذلك ثقلها ودبلوماسيتها، وساهمت في مسعى تصحيح الأسعار، كيف ترون تأثير الجزائر داخل أوبك ومع الشركاء المنتجين للنفط؟
ينبغي التثمين والإشادة بالدور الهام والأساسي والمحوري للجزائر، ولو فقط يقتصر حديثنا على دور الجزائر في تعزيز وضعية الأسواق العالمية، واتجاه الاستقرار، وكذلك انتشال أسعار برميل النفط من الحضيض خلال السنتين الأخيرتين، نجد بأن الجزائر أصبحت فاعلا محترما وموثوقا به، ووسيطا يسمع له ويؤخذ برأيه لتقريب وجهات النظر داخل أسرة «أوبك» ومع شركائها من خارجها، بدءا باتفاق الجزائر التاريخي، مرورا بلقاءات فيينا وكذلك العمل الدوري للجنة المتابعة الخماسية وأيضا مساعيها الأخيرة قبيل وأثناء اتفاق فيينا، وهنا ينبغي تعضيد ما ذهبنا إليه في استحضار مشهد التصريحات الإعلامية للصحافة العالمية وللعديد من الخبراء والمحللين والمتابعين، الذين كانوا ينظرون بنظرة تشاؤمية لاحتمالات مخرجات لقاء فيينا الأخير، لكن في مقابل هذه التصريحات كان الموقف الجزائري الرسمي متوازنا ومتفائلا، بل وكان حاسما في التقريب بين وجهات النظر الإيرانية والسعودية والعراقية والروسية والفنزويلية والإكوادورية، وكذلك أتوقع بأن اللقاء المقبل المرتقب عقده خلال شهر سبتمبر بالجزائر، سيكون أيضا لقاءً تاريخيا ومحوريا لتعزيز ما تم إنجازه بين «أوبك» وشركائها، ولتسطير معالم إستراتيجية مستقبلية شاملة ومستوعبة لمصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، كما نتوقع أن يكون هذا اللقاء المقبل في رمزيته لقاء تكريميا للجزائر كدولة ومؤسسات وكدبلوماسية طاقوية نشطة وفعالة وموثوقة.