تطرقت أغلب الأقلام الإعلامية إلى الكتابة عن الإنتاج المرئي والتركيز عليه في رمضان، رغم أنه يمثل جزءًا من الفضاء السمعي البصري، الذي يتقاسمه مع الإنتاج الإذاعي. وقد لجأت مختلف الإذاعات، التي تغطي كافة التراب الوطني، إلى تخصيص شبكة برامجية خاصة بالشهر الفضيل، أو على الأقل التأقلم مع مواقيته وخصائصه، شبكة لم تقلّ غِنى وإبداعا عن الإنتاج المرئي الذي أثار، كالعادة، ردود فعل قوية، تراوحت بين الاستحسان والاستهجان.
لا يقلّ الإنتاج الإذاعي أهمية عن مثيله التلفزيوني، ولعلّ سهولة الاستماع إلى البرامج التي تُبث على الأثير، وهو ما لا يتطلب أجهزة استقبال كالتلفزيون، وكذا تعدد المحطات الإذاعية وتغطيتها للتراب الوطني، عوامل سهّلت من الإقبال على البرامج الإذاعية.
على غرار المؤسسات الإعلامية الأخرى، تأقلمت الإذاعات مع خصائص شهر رمضان المنقضي قبل أيام، بل وخصصت برامجا بعينها لتلبية متطلباته وتطلعات المستمع. ولما كان من الصعب التطرق إلى برامج جميع الإذاعات، سنأخذ مثالا بإذاعتي القناة الأولى والثقافية.
القناة الأولى.. المراهنة على الإنتاج
عمدت القناة الأولى للإذاعة الجزائرية إلى إثراء شبكتها الرمضانية بأزيد من 20 برنامجا جديدا، جاءت لتدعّم برنامج الشبكة العادية. ومن هذه البرامج تابع المستمعون الحصة الأسبوعية الدينية “تعايش” التي بثت منتصف نهار كل سبت، وعملت على التذكير بمبادئ الإسلام الحنيف الداعية إلى السلم والتعايش، وحضرت الثقافة العلمية من خلال برامج “دكاترة العلوم”، “ستارت آب ابتكار”، و«الرحلة إلى القمة”، كما حضر التراث والتاريخ من خلال “ذاكرة الوطن”، “متاحف بلادي”، و«حواضر”.
ولم تغب الدراما الإذاعية عن برامج القناة الأولى، وهو ما تجسد في المسلسل الاجتماعي الساخر “احنايا معيشتنا حكاية” الذي ألفه وأخرجه محمد جلال الدين. أما “مواقف في حياة الرسول” فهو مسلسل ديني ألفه أحمد رائف وأخرجه علي عيسى، كما نجد مسلسل “سلمان الفارسي” من تأليف يوسف الغزو وإخراج إبراهيم القواسمي.
إلى جانب ما سبق، استمعنا إلى برامج منوعات على غرار “قطايف رمضان” و«رمضان جانا” و«حديث وسمر”، و«إيقاع الروح” الذي يعنى بالإنشاد. ولم تغفل القناة الأولى تخصيص حيز للأطباق والحلويات التقليدية، وفيما غاب نصيب الأطفال في الشبكات البرامجية الرمضانية للعديد من التلفزيونات، كان لهؤلاء مكان في برنامج القناة الأولى من خلال “براعم رمضان” من إنتاج أطفال المدارس بلمسة رمضانية.
الإذاعة الثقافية.. احترام التقاليد الجزائرية
من جهتها، كيفت الإذاعة الثقافية برامجها مع حلول شهر رمضان المعظم، بهدف “مراعاة الجانب الروحي والديني لهذا الشهر الكريم والحرص على تقديم عرض برامجي يتلاءم مع خصوصيات وعادات المجتمع الجزائري”.
ومن الحصص الجديدة التي اقترحتها “الثقافية” في هذا الصدد، برنامج “على مائدة الفكر الإسلامي” الذي عرف بأسماء جزائرية مثل مالك بن نبي، مولود قاسم نايت بلقاسم، محمد أركون، عبد المجيد مزيان، وغيرهم. كما نجد برامج مثل “علماء وزوايا”، “الإسلام في الغرب”، “مسابقة رمضان”، “في رحاب رمضان”، “أصوات من السماء”، “مواقع ومواقف”، “قصيد العارفين”، “الرصيد الصحي”، “يوميات صائم”، “أماسي رمضان”، “سهرة مع فنان”، وكلها برامج بثتها الإذاعة الثقافية إلى جانب حصص لإذاعات وطنية وجهوية أخرى (القناة الأولى، الثانية، الثالثة، إذاعة ميلة، إذاعة ورقلة، واتحاد الإذاعات العربية). وقد ساهم في استيعاب هذه البرامج ومكّن من بثها تمديد للحجم الساعي للبث الإلكتروني، بتغطية 18 ساعة خلال شهر رمضان الفضيل، على أن تستكمل الساعات الست (06) الباقية مع إطلاق الشبكة البرامجية لصيف 2018.
لكلّ ذي حقّ حقّه
لم تكن هذه البرامج التي ذكرناها سوى غيض من فيض الإنتاج الإذاعي المتواصل على مدار السنة، والذي يتدعم أكثر بمناسبة شهر رمضان، وكون هذا الإنتاج لا يستفيد من الأضواء المسلطة على الدراما التلفزيونية وبرامج الكاميرا الخفية، فإن هذا لا يعني أنه لا يصل إلى الجمهور ولا يلقى التفاعل والانتشار اللازمين. كما أن للدراما الإذاعية، التي تكاد تُنسى، مكانة فنية لا يجوز تجاهلها.. ولعلّ هذه سانحة للدعوة إلى تشجيع العمل الإذاعي أكثر، وإعطائه المكانة التي يستحق، لأنه أثبت في أكثر من مرة أنه يستجيب إلى تطلعات الجمهور أكثر بكثير من بعض الأعمال التلفزيونية الباهتة والباهظة في آن واحد.