طباعة هذه الصفحة

غلاء كسوة العيد يؤرق العائلات في الجلفة

حائرون بين فرحة الأطفال ومصاريف رمضانية لا تنتهي

استطلاع: موسى بوغراب

تشهد الحركة داخل الأسواق والمحلات التجارية بالجلفة هذه الأيام الأخيرة مع بداية العد التنازلي لشهر رمضان المعظّم إقبالا كبيرا على شراء كسوة العيد لأبنائهم، فبعد «القفة» والمطبخ تحول اليوم اهتمام الجزائريين بصفة عامة والجلفاويين بصفة خاصة نحوإرضاء رغبات أطفالهم من لباس جديد وحلويات لرسم الابتسامة على وجوههم في ظل شهر صيام ساخن ارتفعت أسعاره، واستنزفت جيوب العائلات ذات الدخل المحدود.
 
قامت «الشعب» بجولة استطلاعية بعد الإفطار قادتها إلى المحلات والفضاءات التجارية الكبرى، التقت فيها المتسوقين ورصدت أسعار الملابس المعروضة التي تطاير منها اللهب الحارق، ما جعل الكثيرين أو الغالب الأعم من الناس غير قادرين على دخول السوق وشراء احتياجاتهم ومستلزمات العيد، فبات الكثيرون وكأنّهم يحاكون المتنبي في قوله: عيد بأية حال عدت يا عيد؟

....الصّدمة؟!
اصطدم الآباء بهذا الارتفاع الجنوني، خاصة ما تعلق بملابس الأطفال التي سجّلت أعلى المستويات حسب ما وقفنا عليه في محلات شارع دبي بحي بوتريفيس وحي «جلفة جديدة» وبوسط مدينة الجلفة التي اكتظت عن آخرها بالزبائن سيما الخاصة بملابس الأطفال، أين أكد لنا أحد الآباء أنهم وجدوا أنفسهم مقيدين ومحاصرين ما بين رسم الفرحة على وجوه أطفالهم في العيد أو تركهم يواجهون الأمر الواقع الذي فُرِض عليهم ليتعايشوا معه بأي شكل من الأشكال.
 معاناة حقيقة تعيشها العائلات الجلفاوية جراء غلاء الأسعار، فسعر لباس وحذاء لطفل واحد لا يتجاوز سنه 4 سنوات وصل في بعض المحلات إلى 6000 دج أو حتى 7000 دينار، أما أسعار السراويل الخاصة بالأطفال من 1500 دج إلى 2400 دج ويحدّد ثمنه حسب النوعية والبلد المستورد منه، في حين تراوح ثمن فساتين البنات الصغار ما بين 1500دج و3000 دج، في حين تراوحت أثمان سراويل الرجال بين 2000 دج إلى 3200 دج، أما الأحذية فهي الأخرى عرفت ارتفاعا في الأسعار فقد اختلفت حسب النوعية والبلد المستورد منه وتراوح ثمنها بين 1200 دج إلى 3000 دج، وهو ارتفاع مبالغ فيه حسب ما ذكره أحد الشباب، كما قال «عامر درفلو» الذي التقيناه بإحدى المحلات التجارية المتواجدة بمدينة الجلفة: «إذا كان الواحد راتبه 20 ألف دج وعنده خمسة أولاد كيف يعمل؟»، وأضاف: «هذا حالي ولا أستطيع شراء ملابس العيد ناهيك عن دفع فاتورة الماء والكهرباء، أمّا المكيف الهوائي فلا أبلغ درجة امتلاكه أصلاً».
نفس المأزق عبّرت عنه ربة بيت التقيناها في أروقة أحد المراكز التجارية بعاصمة الولاية صُحبة ابنتها «شيماء»، حيث قالت: «جئتُ اليوم خصيصًا لشراء حذاء لصغيرتي لكنني عدلت عن ذلك بسبب الأسعار الخيالية التي وجدتها في هذه المحلات، وقد سبق أن زرتُ هذه الأسواق»، لكن تقول أنها لم تجد شيئا يناسبها حسب ما تملكه من أموال واكتفت فقط بشراء الشيفون على حد قولها، مؤكدة أن ظروفها المادية محدودة، حيث أشارت إلى أن زوجها هو المصدر الوحيد للمال بالبيت، كما أنه يتحصل على راتب لا يتعدى 20 ألف دج، وأضافت محدثتنا: «يد وحدة ما تصفق» وحتى «مصاريف رمضان» استنزفت جيوبنا فما بالك بلباس أسعاره خيالية، مشيرة إلى أن التجار أضحوا مصاصي دماء لا يهمهم إلاّ الكسب دون الشعور بالقدرة الشرائية.
 من جهة أخرى فإن الاستياء والتذمر لم يكن حكرا على الزبائن فقط بل سيطر أيضا على أغلبية الباعة داخل المحلات والمراكز التجارية، وهو ما أكده «ربيع عميره» بائع بإحدى محلات بيع الألبسة والأحذية، حيث أكد أن محله يزوره العشرات من الشباب كل ليلة يتزاحمون ويتدافعون في أروقة المحل، إلاّ أنهم يعزفون عن الشراء. ويقول بائع آخر: «إنّ الكثير من الناس الذين يأتون للمحل يكتفون بمشاهدة الملابس أو قياسها دون شرائها، لأنهم - حسبه - أصبحوا عاجزين عن توفير حتى المال لشراء سروال، فما بلك بالألبسة الأخرى في ظل الأسعار المرتفعة والتعجيزية التي أرجعها إلى الأوضاع الأمنية المتدنية التي تشهدها سوريا باعتبارها كانت قبلة التجار لاستيراد الألبسة، من تركيا وفرنسا بهدف إدخالها لأراضي الوطن.

غيّر الولاية بحثا عن أسعار أقل
 ورغم ارتفاع الأسعار وضيق ذات اليد، فإن المحلات التجارية بولاية الجلفة ازدادت اكتظاظا خلال هذه الأيام، فهذا «علي» موظف بإحدى الإدارات ­­جاء خصيصا من ولاية ورقلة لقضاء أيام شهر الصيام في الجلفة صرح لـ «الشعب» قائلا: «نعيش العديد من الضغوطات هذه الايام، فبعد شهر رمضان الذي لم ينته بعد ومصاريفه الكثيرة، يأتي عيد الفطر ليفرض عليك توفير ملابس العيد للأطفال، لكن كيف لي أن أوفق في ذلك مع أسعار مماثلة، لقد ابتعدت عن منطقة سكناي ظنا مني أنني سأجد الرفق في ولاية الجلفة لكنني اكتشفت أن المعقول قد تركته في أروقة ولايتي، أسعار مرتفعة مع غياب الرقابة، مواد غذائية من خضر وفواكه أسعارها حدث ولا حرج، الكيلوغرام من اللحوم الحمراء بـ 1100 دج، والسلطة بـ 60 دج!»، وتساءل قائلا: «هل الزوالي اليوم وجب أن يبيع أحد أعضائه ليوفق في كل هذا، أم عليه أن يخيّط شكارة ويلبسها لصغاره».
وعن أسباب الغلاء الفاحش الذي تشهد الملابس هذه السنة، فقد أرجع أحد التجار في حديثه الى «الشعب» إلى تحكم المستوردين في السوق، ما يجعلهم إما يرفعون في سعرها أو يخفضونها حسب أسلوب العرض والطلب، مضيفا أن دور باعة تجزئة يقتصر على إيصال السلعة للزبون، وقال إنهم يبذلون قصارى جهدهم من أجل بيعها بسعر أدنى، هذا في الوقت الذي تساءلت فيه العائلات الجلفاوية التي التقيناها عن الإجراءات التي قامت بها الوزارة الوصية التي كانت في كل مرة تؤكد أنها ستعمل على الحد من ارتفاع الأسعار ومن تلاعبات التجار خلال المناسبات، إلا أنها كما تقول مجرد كلام قابل للاستهلاك وفقط.