شهدت ترقية اللغة الأمازيغية في ظرف سنتين، ما لم تشهده في عقود.. انطلاقا من الطفرة النوعية التي حققتها دسترة الأمازيغية سنة 2016، ووصولا إلى مصادقة مجلس الوزراء، الذي اجتمع يوم الثلاثاء الفارط تحت رئاسة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، على مشروع القانون العضوي المتعلق بإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية، لتكون المساعي إلى إعادة الاعتبار لهذا المكون الثقافي الهوياتي قد ارتقت إلى مستويات أسمى، محققة بذلك أكثر من هدف.
يأتي هذا القانون العضوي، ليكون أداة تطبيق على أرض الواقع للمادة الرابعة من الدستور، التي نصّت على إنشاء الأكاديمية، ويحدد مهامها وتشكيلتها وتنظيمها وسيرها، بحيث تتولى هذه المؤسسة «جمع الرصيد الوطني للغة الأمازيغية بكل تنوعاتها اللّسانية، وتوحيد الأمازيغية على كافة مستويات الوصف والتحليل اللساني، وكذا إعداد قاموس مرجعي للغة الأمازيغية»، بحسب ما جاء في بيان مجلس الوزراء.
يمكن قراءة هذا التطور من زاويتين: علمية أكاديمية وميدانية بحثية.. من زاوية العمل الميداني، فإن هذه المهام الموكلة للأكاديمية من شأنها معالجة مواطن النقص التي سُجلت في ترقية تمازيغت، والتي تجلّت بشكل ملموس سواء في تجربة إدماجها في المنظومة التعليمية والتربوية، التي تكفلت بها وزارة التربية الوطنية، أو في إدماجها اجتماعيا وهو من بين ما أنشئت من أجله المحافظة السامية للأمازيغية.
إن الصعوبات الميدانية التي واجهتها هذه التجربة الفتية تعدّدت مع تعدّد المتغيرات اللغوية لتمازيغت، وتمايز الأبجديات الموظفة في كتابتها، وهو ما تجلى في نصوص الامتحانات الرسمية لمادة اللغة الأمازيغية، ومن هنا جاءت الحاجة إلى توحيد هذه المتغيرات شكلا ومضمونا. أما على المستوى البحثي الأكاديمي، فقد برزت حاجة ملحّة إلى «جزأرة» العمل العلمي وتخليصه من كلّ المحاولات السابقة لبعض الأطراف بتوظيف التاريخ والهوية والثقافة لأغراض سياسية أو إيديولوجية مُغرضة.. ومن هنا تتأتى أهمية العمل البحثي الذي ستُشرف عليه، وتتشرّف بأدائه، تشكيلة الخمسين عضوا من الخبراء والكفاءات الذين ستشكّل الأكاديمية.
هكذا، فإن الجانب البحثي الأكاديمي يأتي ليشكل أرضية مرجعية لعملية إدماج تمازيغت ميدانيا، سواء في التعليم أو في مختلف المجالات الأخرى، والعلم وحده يكون الأساس المتين لمشروع جاد.
أمر آخر جدير بالملاحظة والتنويه، هو احترام الآجال المحددة لمختلف مراحل ترقية تمازيغت، ما سرّع في وتيرة هذه العملية، وهو دليل واضح لإرادة سياسية جادّة في هذا الصدد.
باجتماع مختلف مكوّنات البيئة التمكينية لترقية تمازيغت، تكون الكرة في ملعب الأكاديميين والمبدعين في عديد أشكال التعبير الفني، لأن اللغة لا تسمو بالنصوص القانونية فقط، بل بالإبداع والإنتاج تزدهر اللغات وتنتشر. كما أن تمازيغت ليست لسانا فقط، بل هي كلّ متكامل من الإرث الثقافي والاجتماعي والتاريخي.
إن ترقية تمازيغت إنما هي إعادة اعتبار لمكوّن هوياتي أصيل في المجتمع الجزائري يفاخر بتنوعه الثقافي الذي لطالما كان سببا في تماسكه وتقدّمه لا في تشرذمه وتراجعه. وكما سبق لنا القول، فإن هذه العملية يلزمها وقت وصبر، حتى نرى ثمارها اليانعة.. وفي انتظار ذلك، يبدو أن تمازيغت تتقدّم بخُطى ثابتة.