طباعة هذه الصفحة

الأبعاد النّفسية والاجتماعية والتّربوية للعنف الرّمزي المجسّد في تمزيق الكراريس والكتب المدرسية أمام المؤسّسات التّربوية

د - بن خالد عبد الكريم أستاذ محاضر بالجامعة الإفريقية أدرار تخصّص علم النفس

إنّ ظاهرة تمزيق الكتب والكراريس على أبواب المدارس احتفالا بانتهاء العام الدراسي هي طقوس سلوكية تربوية غريبة على المجتمع، تحتاج إلى تحليل نفسي واجتماعي وأخلاقي، حيث أنّه في كل نهاية موسم دراسي إلا ونرى تجليات هذه الظاهرة واضحة للعيان أمام المؤسسات التربوية (حرق أوراق الامتحانات، تقطيع الكراريس والكتب المدرسية، الكتابات الجدارية على أبواب المدارس)،بل طال حتى التشهير بها في مواقع التواصل الاجتماعي في صفحات بعض التلاميذ التي تحمل كل مظاهر الفوضى والتكسير، وكأنّنا أمام مفرغة عمومية للنفايات الورقية. وترجع أسباب هذه الظاهرة إلى عدة أسباب أهمها:

 

التناقض القيمي في البيئة هو انعكاس للتربية الأسرية
إنّ المدرسة هي جزء من مؤسّسات التنشئة الاجتماعية ، وهي مكمن التناقضات القيمية فكل سلوكيات التلاميذ في أسرهم (الصراعات الأسرية التي تؤدي إلى تكسير الأشياء الخاصة بالمنزل مثل الاواني والأثاث المنزلي)، واللوحات الحائطية من طرف الكبار هي سلوكيات يستنبطها الطفل داخل اللاوعي، ويتم إعادة إنتاجها في موافق صراعية في المدرسة، والتي تعتبر المجال المفتوح على مصراعيه لممارسة هذه السلوكيات  نتيجة الصدام والانفصام بين المثل التي يتلقاها في المدرسة، وبين ما هو تعلم أسري، فكل طالب يأتي إلى المدرسة بنماذج من السلوكيات العنيفة، بكل تأكيد أوّل ما تلقاها إنما تلقاها في بيته، فالبيت هو المنطلق الأول للتربية، والمدرسة هي ميدان يبرز فيه التلاميذ ما لديهم من عادات سلوكية غير واعية من طرف الأسرة وإقصاء القيم والثقافات الاتجاهات الإيجابيّة نحو المدرسة والمجتمع مثل تقديس العلم والمؤسسات العلمية، إضافة إلى غياب دور الوالدين في عملية التنشئة، فالطفل يقلد والديه في سلوكهم داخل الاسرة من خلال آلية التقليد والتماهي، وأي انحراف سلوكي لدى الآباء يستوجب حدوث خطاء تربوي، فحرق الكتب والاوراق والمجلات والجرائد والعبث بها واستعمالها في تنظيف زجاج النوافذ والسيارات امام الطفل يولد لديه تعزيزا سلبيا حول قيمة الكتاب ويصبح سلوكا اعتياديا لدى الطفل يمارسه متى شاء، اضافة الى  اعتماد الأسرة على المدرسة في تربية الأولاد ومع خروج المرأة للعمل خارج البيت؛ لم يعد لديها الوقت الكافي لتربية الأبناء، فاعتمدت على الحضانة والمدرسة في تربية الأولاد مما ادى الى غياب القيم الاسرية.
 • فشل المدرسة في تفعيل سلوك المواطنة
 إن ظاهرة تمريق الكتب تعبيرا عن فشل المدرسة في تلقين سلوك المواطنة لدى التلميذ لأن المدرسة هي المحضن الطبيعي والقانوني الثاني بعد البيت، لتعليم التلاميذ القيم وتدريبهم مهارات الحياة الأساسية خصوصا ما تعلق بالحقوق والواجبات والعلاقات العامة والخاصة، والشعور بالانتماء والاعتزاز بالوطن والتاريخ، والكثير من الباحثين يلاحظون أن المناهج الدراسية الخاصة بالتربية المدنية والتربية الإسلامية أنها لا تستجيب لمستجدات الواقع الراهن الذي نعيشه من ناحية ضعف الولاء والانتماء للوطن، والذي يظهر جليا في انتشار الانحرافات السلوكية، السلوكيات التخريبية للممتلكات المدرسية والممتلكات الخاصة، وهذا ما يؤدي بنا إلى التأكيد على موضوع الانتماء والولاء الوطني، والذي يعكس المفهوم النفسي الاجتماعي للمواطنة باعتبارها أفعالا وممارسات اجتماعية وليست تصورات تجريدية ونظرية فقط، نتيجة ضعف في المنهاج الدراسي، فالشخصية المراهقة كما يرى «أريكسون» عموما ما تصادف أزمة هوية، فإما أن يصل المراهق إلى تحقيق هوية الأنا لديه، وإما أن يدخل في أزمة تؤدي به إلى التشتت وعدم وضوح الدور في الحياة الاجتماعية، لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ في تحديد أهدافه الإيديولوجية والاجتماعية في الحياة، مما يتطلب من المناهج الدراسية أن تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار وتعمل على إرساء الهوية والدينية والاجتماعية لدى الفرد من خلال مده بالمعارف والخصوصيات التي تتوافق مع البيئة التي يعيش فيها، في شكل دروس تهدف إلى مساعدة الفرد على هوية فلسفة الحياة لديه في كنف المجتمع الذي يعيش فيه، أما إن حدث العكس فإن التلميذ سوف يسعى الى كل الممارسات السلوكية حتى الخاطئة كحرق الاوراق والكراريس والتخريب امام المؤسسات التربوية ممارسا بذلك العنف الرمزي للتعبير عن اثبات الذات والتعبير عن الاحتجاج ضد فشل المدرسة اتجاهه.
 • فشل المنهج والتّوجيه التّربوي في بناء منظومة قيمية مرنة
 إنّ فشل المنظومة التربوية في حد ذاته سبب من أسباب هذه الظاهرة عندما تفشل هذا بناء منظومة قيمة واعية المتطلبات النمائية لدى التلميذ قوامها، فهم ما يريد التلميذ من المدرسة من الناحية التربوية والثقافية حتى يتعايش مع واقعه الديني، والذي أصبح تقريباً مغيبا داخل المدرسة مع جعله روحيا شبه فارغ مما يؤدي به الى ملء الفراغ بتعاطي المخدرات والمهلوسات للتكيف مع هدا العالم المتناقض حسب رأي التلميذ، وتخريب هذه المؤسسات لأنها لم تراع حاجاته النفسية والإنسانية والفكرية بالرغم من التطورات الهامة التي يعرفها النظام التربوي، خاصة التطورات المتعلقة بالمنهج الدراسي، إلا أنه يعرف العديد من النقائص والسلبيات، منها عدم ارتباط ما يتعلمه التلميذ في المدرسة جوهرياً بمحتويات الدروس والمقررات (المنهج المعلن) بل يرتبط بعملية ترويض التلميذ على قيم ومعايير محددة تتمثل في قيم الطاعة والاذعان لبعض الافكار والاتجاهات دون ان تعطى الفرصة للتلميذ من أجل مناقشتها وتحليلها مع الفاعلين في المجال التربوي ممّا يجعلها من مصادر العنف الرمزي، وذلك عندما يتم فرضها بطريقة تعسفية هذا ما يؤدي إلى تذمر التلاميذ وثورتهم، فقد بينت العديد من الدراسات أن الكثير من المشكلات المدرسية كالهروب والعنف، مرتبطة أساسا بالمناهج والبرامج التربوية التي لا تلبي رغبات وحاجات التلاميذ ولا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيتهم، وخصوصية البيئة التي ينتمون إليها، بالإضافة إلى اعتماد المدرسين على طرق ومناهج تقليدية، كطريقة التلقين والتي غالبا ما ترتبط بالعنف والعقاب المادي والمعنوي، فالتلقين كثيرا ما يمارس من خلال علاقة تسلطية، تحدث ردة فعل عنيفة سواء اكانت داخل المدرسة او عند اسوارها.
الأبعاد السوسيو-اقتصادية للعنف الرمزي
 إن التلميذ يكون محبطا عندما يتم تمجيد التلميذ الناجح والتقليل من شأن التلميذ الفاشل دراسيا، مما يولد لديه الثورة على البيئة المدرسية الغير مراعية للجوانب النفسية للتلميذ، اضافة الى المناخ الاجتماعي الذي يتسم بغياب العدالة وضعف وسائل الإرشاد والتوجيه الاجتماعي  ناهيك عن المستوى السوسيو-اقتصادي لبعض الأسر الفقيرة يجعل التلميذ يشعر بالنقص والحرمان بين أقرانه، وهذا يدفعه إلى الإحساس بالكراهية والحقد تجاه الآخر الذي هو أحسن منه حالا، ويولد تصرفات غريبة تسوقه إلى اقتراف بعض الممارسات العنيفة، حيث ان هذه المقارنة الدونية تولد لديه تراكمات نفسية تظهر لدى التلميذ عند نهاية مشواره الدراسي بالتعبير عنها بالتخريب احتفالا بإنهاء هذه الوضعية الصراعية التي يعيشها كألية من أليات التنفيس النفسي اتجاه الاحباط من المدرسة التي لا تساهم في نموه وتطوره المعرفي والنفسي والاجتماعي، وحسب هذا الاتجاه فإن الظروف الاجتماعية المحبطة لدى التلميذ التي تجعله عنصرا عنيفا، وبما أن المدرسة إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تؤثر في التلميذ تأثيرا في المجرى النهائي لشخصيته عن طريق الصيرورة  التي تتبعها في تكوينه، إذا كانت سياسة حكيمة لا تتعارض مع ما يحكم عليه المجتمع وقوانينه، وإذا كانت غير ذلك فإنها تؤدي إلى حدوث توترات، وبالتالي تجنح شخصية التلميذ إلى السلوك السيء والانحراف على كل ما هو أخلاقي وفاضل في نظر المجتمع كنوع من الانتقام من المجتمع الذي يسبب في عرقلة طموحاته وكبت طاقته، واللجوء إلى العنف صورة من صور إثبات الذات والوجود، ومما يمكن الاشارة اليه أن موجة الاحتجاجات العمالية والاجتماعية، والتي يعبر عنها بالمظاهرات وتخريب الأملاك العمومية للتعبير عن غضبها عن الأوضاع التي تعيشها البلاد في جميع المجالات والقطاعات، ما جعل هذه الحمى تنتقل إلى التلميذ عن طريق آلية التقليد الاجتماعي.
تمزيق الكتب المدرسية أمام المؤسسات التربوية وجه من أوجه الانتقام تجاه البيئة المحبطة نفسيا
التخريب داخل المؤسسات التعليمية له دوافع نفسية، وهو نوع من التنفيس الوجداني اللاشعوري من طرف التلاميذ للتخلص من المكبوتات التي تختلجها منطقة اللاوعي «الهو» اتجاه التجارب المؤلمة أوالغير مرغوبة يريد التلميذ أن يتخلص منها، وذلك من خلال سلوكيات واعية كالعدوانية والتخريب وتمزيق الكراريس للتعبير عن المشاعر المؤلمة المضمرة في اللاشعور ممّا يقودنا إلى دور التأثيرات النفسية للتركيب الاجتماعي على تنظيم الشخصية والسلوك، وقد افترض «دولار» وزملائه أن العنف هو نتاج للإحباط، وأن حدوث سلوك التخريب  وشدته تتباين بشكل مباشرة مع درجة الإحباط، وأن هناك ثلاث عوامل حاسمة في هذا الصدد هي القيمة التدعيمية أي أهمية الهدف الذي أحبطه، ودرجة التدخل اتجاه الاستجابة المحبطة وعدد الاستجابات المحبطة المتتالية أي التي حدثت من قبل، فكلما زادت أهمية الهدف الذي أحبط وكلما زادت درجة إعاقة الاستجابة، وكلما كان عدد الاستجابات المعاقة كلما زادت درجة الإغواء للسلوك التخريبي.
 مواقع التّواصل الاجتماعي كألية داعمة للتّعبير عن الغضب الطّلابي   
أصبح الإعلام الحديث من أهم الخصائص التي يتميز بها المجتمعات المعاصرة، فقد صاحب التطور العلمي والتكنولوجي الذي يتميز به العصر الحديث تطور وسائل الإعلام الذي أصبح علما قائما بذاته، ويرى المختصون في هذا المجال أنّ صفحات الفيس بوك والمنتديات من أهم الوسائل التي يفضفض فيها التلميذ عن اتجاهاته نحو المدرسة من خلال الاتصال الجماهيري بين الطلاب، وتعتبر حمى الاحتجاجات ورمي أوراق الامتحانات عند أبواب المدارس والغريبة عن مجتمعاتنا ما هو إلا تعبير رمزي واسع الانتشار في الشبكة العنكبوتية، وانتقاله إلى مجتمعاتنا العربية عن طريق هذه المواقع الالكترونية.