دائما نقرأ ـ قبل رمضان ـ أن المشاهد الجزائري سيحظى بشبكة برامجية تلفزيونية متنوعة ومتكاملة ومتماشية مع حرمة الشهر الفضيل. والواقع أنّ هذا الكلام الجاهز سلفا يقال عادة في مناسبات كهذه حتى دون تفكير في مدى مصداقيته.
في الماضي البعيد (أيام الهوائي الأرضي) كانت الدولة تتكفّل بتحضير المؤونة التلفزيونية المطلوبة لمواطنيها، ملتزمة بالمبدأ الثلاثي؛ التنوع ـ التكامل ـ التخصيص. وخلال ذلك كانت الدولة توازن بين ما يرغب المواطن ـ فعلا ـ باستهلاكه وما ترغب هي (كأم رمزية) في فرضه عليه، انطلاقا من جملة معطيات معقدة العناصر: (إيديولوجية، جهوية، أخلاقية، إنتاجية)... فيما بعد أصبح المواطن (وبطريقة خجولة) يبتز عاطفيا أمّه الدولة، ويهدّدها بالانصراف عن مائدتها التلفزيونية، لينضم إلى موائد الجارات العارضات عليه أطباقهن، بروح من الترحيب والمجانية، مع ملاحظة أن الجارات أيام ظهور الفضائيات ـ لأول مرة ـ لم يكنّ لئيمات، إلى حد يحاولن اللعب بعقل المواطن. وربما حدث نوع الاتفاق (عقد شرف) بين جميع الجارات، باعتبار أن كل واحدة منهن هي بالضرورة أمّ معرّض أولادها للاستهداف من أي جارة أخرى متضررة. ومع الوقت ظهرت قنوات تلفزيونية قادرة على استقطاب جميع الأولاد دون إثارة مخاوف أمهاتهن، وحملت الشعار ذاته: التنوع ـ التكامل ـ التخصيص.
دعنا نقمْ بتسريح الأحداث لنصل إلى واقعا اليوم، وبالضبط؛ رمضان 2018. القنوات التلفزيونية الجزائرية الخاصة، قامت بحملة شرسة وجمعت كل المتفرّجين حولها ـ بروح من التحدي لإنهاء سيطرة الدولة على المؤونة التلفزيونية ـ وقالت لهم: «انظروا ما سأقدّم لكم»، واتّضح في النهاية أن بعض هذه القنوات تصرّفت دون مسؤولية وقلبت الشعار أعلاه فأصبح كالآتي: التماثل ـ التفكك ـ العشوائية. ـ كاميرا خفيّة خالية من أي ذرة خيال، يغلب عليها طابع الاستفزاز لصنع جو من التوتر والعنف.
ـ مسلسلات؛ بعضها بعيد عن المقاييس الفنية تماما، وبعضها ركّز على الجانب الابهاري في الصورة دون الاهتمام بالفكرة وترتيب المشاهد والحوار. وفي هذا الجو من اليتم عاد المواطن إلى مطبخ أمّه فوجدها الأطباق ذاتها تلك التي كانت تصنعها (أيام الهوائي الأرضي).