يرى الكاتب والمسرحي فوزي سعيداني ضرورة اقتراب الجهات الإعلامية من مختلف الهيئات الثقافية، سواء كانت جمعيات، مسارح، دور ثقافة أو ورشات تكوين فنية، ومتابعة إنتاجها ومواهبها ومشاكلها ورصد صراعاتها، مشيرا إلى أن الهيئات الثقافية همها وكفاحها هو الثقافة، أما أجهزة الإعلام واجبها وسرها المهني هو رصد الحقيقة واكتشاف الإبداع ونقل الألم من مصدر الصرخة نحوالأذن التي تستجيب للصرخة.
أضاف فوزي سعيداني بأن الهيئات الثقافية ليس من مهامها البحث عن الإعلام، إلا أن الإعلام من واجبه السعي إليها، مؤكدا على أهمية تخصيص ملتقيات حول موضوع الثقافة والإعلام وتكريس الإعلام في الثقافة، وضرورة جعل المثقف قريب من الإعلام، إلى جانب جعل العلاقة ترابطية وعفوية فيما بينهم.
ومن منظور الكاتب والمسرحي فوزي سعيداني أصبح الإعلام الثقافي في الجزائر يفتح عينيه فقط على الأمور التي تخدمه، وكأنما بدأ ظهور مفهوم جديد هو إعلام الإعلام، أو الإعلامي البورجوازي، حيث يهتم بالمهرجانات الدولية الذي تحضره الشخصيات الشهيرة والوجوه المعروفة، فصار يهتم بمثل هذه المناسبات ليكسي نفسه حلة النبالة، وكأنما حقق أمرا مقدسا.. وأشار المتحدث إلى «أن الثقافة غائبة في المهرجانات والمناسبات الثقافية الكبرى، نظرا للتصنع الموجود فيها والسعي المفرط لإعطاء وجه جميل ومزركش للمهرجان، أكثر من الاهتمام بالثقافة، مؤكدا في سياق حديثه بأن المهرجانات الجهوية والمحلية التي هي فسحة جوهرية للثقافة الحقة وللثقافة الفطرية والإبداع الحقيقي تتجنبها أغلب وسائل الإعلام، على اعتبار أنها لا تبالي بالمهرجانات المتواضعة لا سيما في جانبها المادي، رغم الأصالة الثقافية التي تكتسيها، والرسالة العميقة التي تقدمها»، مشيرا إلى أن «بعض وسائل الإعلام تتصف بالأنانية، كونها تهتم بكل ما هو دولي أو وطني، وتهمش المناسبات الثقافية الجهوية».. سعيداني قال بأن، «الثقافة الإعلامية غابت عند بعض الجهات الإعلامية، وانصهر الإعلام الثقافي الجاد، أمام اهتمامه بالمشاهير والديكورات، والبساط الأحمر وسعيه سعيا جاهدا من أجل كرنفال ثمين جدا،» في حين أن هناك ـ حسب المتحدث ـ «ما يستحق الاهتمام، وهي تلك الثقافة التي تنبع من الحب ومن الألم، والتي يصنعها الفنان من الطبيعة الثقافة، وليس داخل قاعات أو منصات وطابوهات العاصمة».
وعما إذا كان بإمكان وسائل الإعلام الاستغناء عن الثقافة، أو أن يستغني المثقف عن الإعلام، أكد فوزي سعيداني على إمكانية ذلك، حيث أنه في الوقت الذي كانت فيه بعض الدول العربية، على غرار مصر والأردن والعراق وبيروت مهدا للثقافة، كان الإعلام عند الغرب، مشيرا إلى أن الثقافة الحقيقية في البلدان التي تقدس الثقافة لا تحتاج إعلاما لتبلغ مبلغها، قائلا بأن الإعلام ليس دافعا ولا قاعدة ولا أساس ولا فسحة للثقافة «الثقافة في جوهرها يحتويها الإبداع وترتقي بها الأصالة ويخوضها الفنان».
الاكتفاء بالمناسباتية يضر بالإعلام والثقافة معا
سعيداني قال إنه مع احترام بعض الجهات التي رصدت كل صغيرة وكبيرة.. واستضافت على بلاطوهاتها فنانين شباب وطموحين، إلا أن الأغلبية تسعى وراء المناسبات الثقافية التي يلتقي فيها كبار الشخصيات وفنانين عرب مرموقي الأسماء والمبتهجين أمام كاميراتهم، ويرى بأنه على المثقف أن لا يهتم بالإعلام، وينشغل به ويهمل إنتاجه الثقافي، وأضاف «يقولون قديما أن السلعة الجيدة تبيع نفسها»، فالمنتوج الثقافي الراقي يصل لوحده نحو مبتغاه حتى لو تأخر، وقدم المتحدث مثالا عن أغاني المرحوم كاتشو في بداياته الأولى، حيث انتشرت أعماله انتشارا رهيبا وازداد الطلب على مؤسسة التوزيع، فكان اهتمام الإعلام بكاتشو بعدما أصبح صوته مألوفا في الجزائر بأكملها، وفي الأخير قال بأن صوت المثقف مرهون بقوته وقوة رسائله وذائقته الفنية.
كما طالب سعيداني بعدم ممارسة الإعلام لقهر عنصر ثقافي أو جهة ثقافية، مؤكدا في ذات السياق على أن تنظر الثقافة لتضحيات الإعلام، خاصة وأنها مهنة المتاعب والتعبير الحر.