لا تزال مساحة الدفع الالكتروني في السوق محدودة مقارنة بالفرص والتطلعات في ظل تعدد الوسائط التكنولوجية التي توفر الوقت وتقتصد الجهد وتساعد على تحسين جودة القيمة المضافة. تحققت مكاسب متواضعة وينتظر الكثير لبلوغ مستوى متقدم يضاهي المعايير الدولية ولذلك تتعزز كل يوم ارادة اطراف المعادلة من بنوك ومؤسسات تطرح خدمات اقتصادا لمعرفة وزبائن لمواصلة بناء مسار رقمنة السوق بكل نشاطاتها.
يتبدد التخوف لدى المستعملين بالموازاة مع ارتفاع في وتيرة التوجه الرقمي للخدمات المصرفية التي خرجت من نطاق البنوك الى السوق ممتطية جسر التكنولوجيا الرقمية، من خلال انتشار أجهزة الدفع أو التسديد عبر الهواتف الذكية. هذا الجسر يسمح بامتصاص السيولة المتداولة والرفع من درجة تأمين الاموال وتأطيرها في دواليب المنظومة الاقتصادية لتنمية الموارد الموجهة خاصة للاستثمار، وبالذات في مشاريع تتعلق باقتصاد المعرفة.
يمثل الدفع الالكتروني أولوية لدى البنوك على غرار بنك التنمية المحلية الذي يسعى الى مضاعفة العمل على صعيد توسيع انخراط التجار في هذا التحول الحامل لمنافع اقتصادية ومالية عديدة يستفيد منها كافة مستعمليه سواء عن طريق الدفع بالبطاقة بين البنوك أو الهاتف النقال، كما يوضحه مدير النقد الالكتروني والبنك الرقمي خليل رزقي، مبرزا أهمية المقاربة الجوارية للوصول الى أصغر تاجر وبالتالي تغطية أكبر مساحة في السوق عبر الجغرافيا الوطنية.
تجربة «ب. د. ل» التي ترتبط شبكتها الرقمية بكافة اصناف التجار والمتعاملين بما في ذلك الجزار ومحل تنظيف الملابس، تقدم صورة ايجابية تعكس حرص المنظومة المصرفية على تكريس هذه التكنولوجيا في الممارسة اليومية وقد أنشأت لها هيكلا مستقلا في النظام الهيكلي للبنك يتمثل في مديرية قائمة بذاتها تأسست في أوت 2016 ينشطه فريق يقود القائمين على ارساء هذه الخدمة على مستوى كافة شبكة وكالاته. وفي وقت وجيز فقط تم تركيب حوالي 5000 جهاز دفع الكتروني TPE سمحت برصد انجاز تقدم معتبر يتمثل في الانتقال من مستوى عشرات المبادلات التجارية من خلال 50 جهاز دفع في 2015 الى 40 ألف عملية من خلال 4 آلاف جهاز مركب حاليا مع الطموح الى بلوغ تركيب 13 الف جهاز دفع الكتروني، يرتقب ان تدخل الخدمة في غضون السنة الجارية 2018 كما أوضحه محدثنا، مضيفا ان هذه الاجهزة تقتنى من شركة النقد الآلي والعلاقات التلقائية بين البنوك ( ساتيم- SATIM ) التي تستعمل حاليا عالميا واعتمدت مؤخرا علامة ثلاثة تدخل سوق الرّقمنة البنكية.
غير ان المهمة لا تبدو من اختصاص حصري للبنوك بقدر ما تتطلب عملية توسيع نطاقها اعتماد مهنيين متخصصين في مجال الرّقمنة لإعطاء دفع لمسار الخدمات البنكية الالكترونية، بالموازاة مع تنمية سلوكات ملائمة من المتدخلين في المحيط الرقمي حول البنوك لتعزيز الانتقال الضروري وفي وقت وجيز لتدارك التأخر المسجل في هذا المجال، مقارنة بالفرص والإمكانيات الموجودة في الساحة الاقتصادية الوطنية التي تعرف مؤشرات التكنولوجيات الجديدة نموا مضطردا إثر فتح سوق الاتصالات للمنافسة. في هذا الاطار، يعتزم مجمع المصالح المشتركة ما بين البنوك لتأطير وضبط النشاط النقدي الالكتروني، من خلال المبادرة بفتح حوار بين اعضائه من البنوك حول معالجة جوانب البيئة النقدية Ecosystème من اجل تطويرها وقد تم الشروع في العمل على الملف. وتشمل هذه البيئة كافة المتدخلين في محيطها من تاجر الجملة والتجزئة الى الزبون، مرورا بالمتعاملين في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي بما في ذلك الهيئات والمؤسسات ذات الصلة كالضرائب وبنك الجزائر صاحب السلطة البنكية الى جانب متعاملي الاتصالات.
يوضح الاطار البنكي انه ليس من مهام المصرف اقتناء جهاز دفع الكتروني وتركيبه ومتابعته من حيث الصيانة خاصة، وإنما ينبغي اعتماد مؤسسات مهنية متخصصة في هذا النشاط لتأمين خدمة ما بعد البيع ويتفرغ البنك لمهامه المصرفية الاساسية لمرافقة النمو من خلال تطوير انظمة تمويل الاستثمار ومرافقة السوق. وبفضل الارتكاز على مثل تلك المؤسسات المتخصّصة يمكن الوصول الى تغطية حوالي مليون تاجر، يتم تزويدهم بأجهزة التسديد عبر التراب الوطني التي توفر مزايا يمكن الرهان عليها لكسر حاجز التردد في عالم التجارة، مثلما فعلت تركيا بمنحها تخفيضات ضريبية لكل تاجر يستعمل آلية الدفع الالكتروني.
عن صدى هذه التكنولوجيا لدى متعاملي السوق خاصة ما يتعلق بوجود حذر يثير الانشغال أو ما يصنفه البنك العمومي للتنمية المحلية في خانة التخوف من جانب مواطن أو تاجر، فإن التجربة الميدانية تظهر ان حوالي 80 ٪، لا يستعملون البطاقة البنكية، إما نتيجة نقص معلومات أو سوء فهم أو ضعف اتصال ولا صلة له بثقافة المستعمل. ويقدم مثالا يؤكد هذه المفارقة يتعلق بصاحب مركز تجاري «سوبيرات» راقي، غرب العاصمة، يتعامل مع زبائن ذوي مركز اقتصادي واجتماعي راق كان يجهل توفر هذه الخدمة في الجزائر رغم انه يتنقل كثيرا عبر البلدان ويملك بطاقة دفع دولية «كارت فيزا»، وما أن علم بحقيقة هذا التقدم الرقمي سارع لطلب الخدمة وانخرط في الديناميكية الرقمية، مما يؤكد جدوى تنمية جانب الاتصال الجواري.
مثال عملي يشرح أهمية الاتصال حول التكنولوجيات الرّقمية مثل الدفع الالكتروني، يشرحه الواقع المسجل في ولاية غرداية ذات الخصوصية التجارية بامتياز، حيث لما انطلقت العملية في أوساط هذه السوق المحلية التي تعرف ازدهارا في 2016 سجل اقبالا لم يتوقف الى درجة التدافع على طلب الخدمة بعد ادراك التجار لفوائدها من كافة الجوانب، خاصة ما يتعلق بتأمين التداولات البنكية خاصة عبر الوسائط الرقمية للدفع الالكتروني، بما في ذلك أجهزة الهاتف الذكية التي يقدر عددها في الجزائر بحوالي 60 مليون جهاز «أندرويد» لتعداد سكاني يقدر بـ 40 مليون نسمة وفقا لأخر إحصاء ديمغرافي في الجزائر.
جهود حثيثة تبذل للرفع من درجة تأمين نظام الدفع الالكتروني الذي بقدر ما هو مرتبط بالمحيط ويتأثر بسلوكاته بقدر ما يمتاز، كما هي عينة تجربة هذا البنك بنجاعة مشهود لها بعد ان تم تجاوز مرحلة التخوفات في البداية بفضل الالتزام بمعايير فنية وتقنية صارمة يجعل مسار الخدمة بين البطاقة على مستوى الجهاز والحساب البنكي وقاعدة البيانات بالبنك أكثر أمنا وحماية.
ولتعزيز جوانب تقوية تأمين المنظومة بما يرفع من درجة أمن وسلامة البيانات لحامل البطاقة البنكية للدفع الالكتروني بادرت «ساتيم»، وفقا لما كشف عنه محدثنا بإحضار حل رقمي جديد فعال وموثوق يوفر درجة عالية لتأمين المعطيات وحماية البيانات، يرتقب ان يدخل الخدمة قريبا بما يمنح الزبون خدمة أوسع تلبي حاجياته اليومية، علما أن اعتماد البطاقات بين البنوك يمر بمسار للمطابقة بعد إجراء اختبارات وتجارب قبل ان تدخل السوق كقيمة مضافة ترفع من الاداء الاقتصادي والمالي والتجاري، خاصة في مرحلة أصبح فيها الانفتاح على الأسواق الخارجية رقما ثابتا في التحول الاقتصادي الذي يساعد عبر مثل هذه الوسائط على ادماج المتعاملين خاصة التجار، مهما كان وزنهم في السوق في المنظومة المصرفية وامتصاص السيولة التي يتم تداولها خارج البنوك، التي تبقى الطرف المعني بالرفع من جاذبية الزبائن، من خلال تطوير المزايا، خاصة لذوي القدرات المالية المحدودة لإدماجهم في النظام الرقمي الذي يتسع مجاله أكثر فأكثر، إما قناعة أو بالضرورة.