ترامب يكتفي بهجوم محدود لحفظ ماء الوجه
العدوان الثّلاثي تمّ دون تفويض من مجلس الأمن
بعد أسبوع كامل من التّهديد والوعيد، شنّت الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا وفرنسا، هجوما ثلاثيا، فجر أمس، على مواقع عسكرية بسوريا، انتهى دون أن يؤثّر على المسارات الأمنية والسياسية التي تتّخذها الأزمة السورية في الأشهر القليلة.
وكانت الغارات الثلاثية متوقّعة لدرجة أن دمشق قامت بالإجراءات الوقائية قبل أيام، وسحب قواتها وعتادها العسكري الاستراتيجي من أبرز المواقع، واستطاعت بطاريات دفاعها الجوي أن تحقق نجاحا كبيرا حينما أسقطت 71 صاروخا من أصل 110.
ووصف التحرك العسكري الغربي ضد سوريا «بضربة حفظ ماء الوجه» و»الهجوم الاستعراضي»، لعدم تسجيل أية خسائر ضمن صفوف الجيش السوري، ولكون المنشآت المستهدفة مدمرة مسبقا، إضافة لغياب أي تأثير لها على موازين القوى على الأرض.
وبدى واضحا أن قادة الدول الثلاث، تحرّكت استنادا لمبدأ حفظ بصيص من مصداقيتها وتقاليدها كقوات ردع ذات الاسبقية في اتخاذ القرار العسكري، بعدما ورّطت نفسها في تصريحات دبلوماسية عالية التهديد تجاه دمشق وموسكو، لكنها في النهاية تفادت كل ما يغضب روسيا ويفسد ما قامت به منذ 2015 في سوريا.
يذكر أنّ الهجوم الثلاثي، تمّ كرد فعل على مزاعم استخدام دمشق أسلحة كيمياوية في الأسبوع الماضي ودون ترخيص من مجلس الأمن الدولي، وقبل صدور نتائج التحقيق التي يعكف خبراء المنظمة الدولية للأسلحة الكيمياوية على إنجازه في مدينة دوما السورية.
تفاصيل الهجوم
على الساعة الثالثة و55 دقيقة لفجر أمس، بدأت الصورايخ الأمريكية، الفرنسية والبريطانية تغزو سماء سورية مستهدفة بعض المطارات والمواقع العسكرية.
وأكّدت القيادة العامة للجيش السوري، أمس، أنّ «110 صواريخ, أطلقت من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا باتجاه أهداف سورية في دمشق وخارجها».
الجاهزية المسبقة لمنظومات الدفاع الجوي السوري السوفيتية الصنع ورغم قدمها، أبلت البلاء وأسقطت 71 صاروخا من أصل 110 قبل أن تبلغ أهدافها النهائية، واستخدمت دمشق بطاريات منظومات «إس-125» و»إس-200» و»بوك» و»كفادرات» و»اوسا».
وقال بيان القيادة لعامة للجيش السوري: «منظومات الدفاع الجوي تصدت بكفاءة عالية لصواريخ العدوان وأسقطت معظمها»، وانتهى الهجوم الثلاثي بعد 50 دقيقة.
وقال مسؤول سوري: «لقد استوعبنا الضربة، فقد تلقّينا تحذيرا مبكّرا عن الهجوم من الروس..وجرى إخلاء كل القواعد العسكرية قبل أيام قليلة».
هذا ما استخدمته أمريكا
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم طائرات «أف 15» و»أف 16» إلى جانب سفن حربية، أطلقت منها صواريخ «توماهوك» وقنابل جوية.
وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس والجنرال البحري جوزيف دانفورد إنّ منشآت الأسلحة الكيميائية استُهدفت بصواريخ أُطلقت من البحر والطائرات على حد سواء.
وصرّح مسؤول أمريكي أنّ الولايات المتحدة استخدمت في هجماتها على سوريا صواريخ طوافة من طراز (توماهوك)، أطلقتها على عدة أهداف هناك.
وحسب القائد العسكري الأميركي جوزيف دانفورد، فإنّ «الضربات الأمريكية أصابت ثلاثة أهداف، هي: مركز للأبحاث العلمية بالقرب من دمشق يزعم أنه على صلة بإنتاج الأسلحة الكيميائية، ومنشأة لتخزين أسلحة كيميائية بالقرب من مدينة حمص، ومركز قيادة على مقربة من العاصمة».
وسبق للولايات المتحدة أن استخدمت صواريخ توماهوك في ضرب سوريا العام الماضي، ردّا على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية في بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب.
4 طائرات بريطانية
واستخدمت القوات الملكية البريطانية، 4 مقاتلات من نوع «طورنادو»، انطلقت من قاعدة أكروتيري من شبه جزيرة قبرص، استهدف منطقة عسكرية تقع 24 كلم غرب حمص، حيث يزعم أن دمشق تخزن أسلحة كيماوية.
وأطلقت المقاتلات البريطانية صورايخ من نوع «ستروم شادو» التي يترواح وزنها ما بين 250 كلغ و500 كلغ، وتحمل كل طائرة صاروخين خلال كل طلعة هجومية.
دعاية حربية فرنسية
ولاتزال فرنسا، تستغل أدنى فرصة، لإظهار قدرات مقاتلات «رافال» و»ميراج» التي وجدت صعوبات بالغة في تسويقها خلال السنتين الأخيرتين، حيث اعتمدت عليها رفقة 4 فرقاطات متعددة المهام لإطلاق 12 صاروخا مجنحا من البحر الأبيض المتوسط باتجاه أهداف داخل الأراضي السورية.
وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بالي في ندوة صحفية رفقة وزير الخارجية جون إيف لودريان: «استخدمنا صواريخ مجنحة، وأجرينا الهجوم بتنسيق وانسجام كلي مع حلفائنا الأمريكيّين والبريطانيين، واستهدفنا برنامجا سريا للكيمياوي ومركزا للبحث ومركزين للإنتاج».
يذكر أنّ بيانات وزارة الدفاع الروسية شكّكت في صحة مشاركة القوات الجوية الفرنسية في الهجوم.
تفادي الصّدام مع موسكو
الدول الثلاثة، تفادت خلال غاراتها على سوريا تجاوز المجال الجوي السوري، بسبب السيطرة المطلقة لروسيا عليه وعدم تعريض حياة الجنود الروس للخطر وهو يعني ردا فوريا من موسكو.
وقال القائد العسكري الأميركي جوزيف دانفورد للصحفيين: «حدّدنا بدقة تلك الأهداف للحد من خطر إقحام القوات الروسية» في العملية.
وتابع قائلا إنّ الجيش الأميركي أطلع الروس على المجال الجوي الذي سيُستخدم في الضربة، لكن ذلك لم يكن «إشعارا مسبقا».
وقلّلت وزارة الدفاع الروسي من قيمة الهجوم الثلاثي، وقالت على لسان لفريق سيرغي رودسكوي رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان الروسية، «المواقع التي تمّ تدميرها في سوريا كانت مدمرة أصلا»، وأضاف المتحدث بشأن رد الجيش السوري: «طوّرنا منظومة الدفاع الجوي السورية، وسنعود إلى تطويرها بشكل أفضل».
لحفظ ماء الوجه..
صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية، عقب انتهاء العملية، بأنّ «الضربة كانت ناجحة» و»دقيقة ومحدودة»، واستهدفت «قدرات إنتاج واستخدام الأسلحة الكيمياوية».
وقال ترامب: «الغاية من تصرّفاتنا الليلة إظهار (قدرة) ردع قوية ضد إنتاج ونشر واستخدام أسلحة كيميائية».
واعتبر مراقبون أنّ تحرك الرئيس الأمريكي، جاء كمحاولة يائسة لتشتيت النظر عن صراعه المستمر مع المحقق الخاص روبرت مولر بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية.
وإذا كانت أمريكا كما جرت العادة تملك زر القرار العسكري، فإنّ فرنسا تحرّكت مرغمة بعد مأزق الخطوط الحمراء التي رسمها ماكرون بشأن استخدام الكيمياوي في سوريا، وغرّد أمس الرئيس الفرنسي قائلا: «لقد تمّ اجتياز الخط الأحمر، بالتالي أمرت القوات الفرنسية بالتدخل».
أما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي تواجه ضغوطا داخلية متزايدة بشأن البريكسيت، فقد ربطت إصدارها أوامر بالهجوم العسكري «بالمصلحة الوطنية لبريطانيا»، وزعمت أن «مصادر استخباراتية أكّدت استخدام دمشق السلاح الكيمياوي في دوما قبل أسبوع».
وحاولت ماي كسب ود الرأي العام الدولي خاصة في ظل السجال الدبلوماسي مع موسكو بشأن تسميم الجاسوس سيرغي سكريبال بغاز سام، حيث تريد أن تظهر بلادها كدركي يحرص على منع استخدام الأسلحة الكيمياوية وفقا للقانون الدولي».
وبالنسبة لموسكو، فإنّ الدول الثلاثة، استندت على حجج واهية لضرب سوريا ولم تقدّم للعالم أي دليل يثبت استخدام الكيمياوي في سوريا.