يرسم الخبير الطاقوي عبد الرحمان مبتول معالم مستقبل الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك من خلال تحليل عناصرها الراهنة وطرح توجهات، يعتبرها أساسية لتأمين ديمومة الشركة في ظل تنافس دولي شرس للهيمنة على الأسواق النفطية. ويؤكد أن للشركة طاقات مادية وبشرية لو يتم توظيفها بمنهجية مدمجة وناجعة مثلما يحرص عليه مسؤولها الحالي تساعد على توفير موارد وتحسين المردودية لما للعنصر البشري من ثقل في حسم معادلة المنافسة، وهي الحلقة التي يرتقب ان تستكملها نتائج الطبعة الجديدة للايام العلمية والتقنية لسوناطراك المقررة هذا الاسبوع.
«الشعب»: ما هي الجوانب التي تتطلب المعالجة حتى تتمكن سوناطراك من مواكبة التحولات العميقة لسوق الطاقة وخاصة في ظل انهيار أسعار النفط وزيادة متطلبات التنمية؟
الخبير مبتول: تحتاج سوناطراك في مواجهة الانتقال الطاقوي العالمي الجديد إلى مناجمنت استراتيجي جديد ذلك أن كل مؤسسة يجب أن تتخذ قرارات في حينها في ظل عالم سريع التغير ومنافسة شرسة، خاصة في المجال الطاقوي وخاصة بالنسبة لشركة توفر مباشرة أو غير مباشرة مع المشتقات 97 بالمائة من الموارد بالعملة الصعبة.
إن سوناطراك هي الجزائر والجزائر سوناطراك ويطرح تسييرها إشكالية الأمن الوطني مما يستوجب من الآن التفكير حول هويتها في آفاق 2030 بمعنى ماذا سوف تكون حينها. لذلك فإن الموضوع الاستراتيجي للانتقال الطاقوي يدرج محورا رئيسا خلال الطبعة الـ 11 للأيام العلمية والتقنية لسوناطراك، المقررة من 16 إلى 19 أفريل بوهران وتنظم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.
يجب إعادة التفكير حول تنظيم سوناطراك التي تأسست في 31 ديسمبر 1963 وعرفت مراجعة لقوانينها الأساسية ثلاث مرات بمراسيم رئاسية وآخرها بتاريخ 11 فيفري 1998 بهدف التوفيق بين نظامها الأساسي كشركة مساهمة، بعد إنشاء المجلس الوطني للطاقة في أفريل 1995. يخصّها الفصل الثالث من المرسوم المؤرخ في 11 فيفري 1998 المتعلق بتنظيم وعمل الجاهزة بثلاث أجهزة هي الجمعية العامة، مجلس الإدارة والهيئة التنفيذية. كما أدخل المرسوم الرئاسي المؤرخ في 13 سبتمبر 2000 تعديلا طفيفا على المرسوم المتضمن القوانين الأساسية لسوناطراك يخص بالتدقيق الفقرة 2 و5 من المادة 11 التي تنص أن «نواب الرئيس ونواب المدير العام يعينون بمرسوم وفقا لنفس تعيين الرئيس المدير العام للشركة. وفي مجال الصلاحيات لم تعد سوناطراك هي من تمنح محيطات الاستغلال وفقا لقانون المحروقات الجديد المؤرخ في 28 أفريل 2005 المعدل بالأمر المؤرخ في 29 جويلية 2006 (قانون جانفي 2013 يوسع قاعدة 49/51 ويدخل استغلال الغاز الصخري ويبقي على نفس الإجراءات) وإنما ذلك من اختصاص وكالة مستقلة عن وزارة الطاقة، هي النفط، التي تحتفظ معها بعلاقات وظيفية، مثلما هو الحال مع وكالة أخرى هي سلطة الضبط المكلفة بمتابعة ميكانيزمات الأسعار. حدد القانون الجديد على الأقل 51 بالمائة حصة سوناطراك في المحيطات الممنوحة من النفط وعلى الأقل 94 بالمائة للشركات البترولية الأجنبية، غير ان الشراكة كانت موجودة حتى خلال مرحلة الاشتراكية في السبعينيات ومن ثمة ينبغي تفادي رؤية سلبية كون هذه الشراكة سمحت بإعطاء ديناميكية للإنتاج البترولي والغازي في مرحلة انهيار، مما أفضى إلى اتخاذ تعديلات في التسعينيات التي دفعت بتوسيع قانون 1986 الى شراكة مع شركات دولية. ومراعاة للتنظيم الحالي لقطاع المحروقات، ينبغي التمييز بين عدة هياكل عملية حيث يوجد المجلس الوطني للطاقة، وهو أعلى هيئة ذات طابع استراتيجي طاقوي تأسست بمرسوم رئاسي في 19 أفريل 1995 وتنص مادته السادسة أن «يجتمع المجلس دوريا باستدعاء من رئيسه»، وهو رئيس الجمهورية، فيما يتكفل بالأمانة وفقا للمادة الخامسة وزير الطاقة، وهو مشكل من وزارات سيادية (الدفاع، الخارجية، الطاقة والمالية) الى جانب محافظ بنك الجزائر ومندوب التخطيط. يوجد بعده الجمعية العامة مشكلة من وزيري الطاقة، المالية، محافظ بنك الجزائر، مندوب التخطيط وممثل عن رئاسة الجمهورية. وتوضح المادة 9 فقرة 3 أن الجمعية العامة تنعقد مرتين في السنة على الأقل في دورة عادية وفي دورة استثنائية بمبادرة من رئيسها أو بطلب من ثلاثة من أعضائها على الأقل أو بطلب من محافظي الحسابات أو من الرئيس المدير العام لسوناطراك. وفي نهاية كل دورة تلزم الجمعية العامة بتقديم تقريرها إلى رئيس المجلس الوطني للطاقة والمتمثل في رئيس الجمهورية. بعدها مجلس الإدارة المشكل من رئيس مدير عام سوناطراك، رئيس مدير عام سونلغاز، نائب الرئيس للمنبع، نائب رئيس المصب، نائب الرئيس المكلف بالنقل بالقنوات، نائب الرئيس للتسويق، المدير العام للمحروقات بالوزارة، ممثل آخر للوزارة، ممثلان لنقابة سوناطراك. ثم تأتي اللجنة التنفيذية العنصر العامل المشكلة من رئيس مدير عام سوناطراك، الامين العام للشركة، نواب الرئيس للمنبع والمصب والنقل والتسويق، المدير التنفيذي للمالية، الموارد البشرية النشاطات المركزية، مدير الإستراتيجية التخطيط والاقتصاد، المدير التنفيذي للصحة، الأمن والبيئة ودون ان ننسى المجمعات الملحقة بنواب الرئيس وبذلك المنبع ملحق بمجمع الخدمات النفطية (مثل نافتك) والتسويق بمجمع سوناطراك تلحق به مجمع سوناطراك تثمين المحروقات (مثال نفطال) وعلى الصعيد الدولي وضعت الشركة نظام لإعادة تنظيم نشاطاتها بتجميع شركات الفروع بالخارج حول مجمع دولي أنشئ في جويلية 1999 ينشط في مختلف البلدان.
ما هي الجوانب الداخلية التي تتطلب تصحيحا حتى تواكب الشركة التحولات العالمية؟
مناجيريالية المؤسسة لا تنفصل عن الحوكمة الشاملة ويعتبر تنظيم سوناطراك دمج بين التنظيم الهيكلي والتنظيم القطاعي للفروع، مما لا يمنحها المرونة التي يتميز بها منافسوها في السوق الدولية دون اغفال صلابة النظام المصرفي وخاصة التدخلات غير الاقتصادية من المحيط، وهو أمر طبيعي لمؤسسة عمومية حتى في بلدان متطورة. حقيقة الرؤساء المديرون العامون للشركات الكبرى العمومية في فرنسا يعينون من طرف رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء غير أنهم ملزمون بعقد نجاعة مع الدولة المساهمة وهو ما لا يعمل به عندنا في الغالب، حيث نخلط بين الدولة الضابطة في اقتصاد السوق يمكنها امتلاك حصة أسهم للتحكم في بعض الفروع الإستراتيجية، لذلك ينبغي الأخذ في الاعتبار المحيط الدولي وإشكالية الإستراتيجية الغازية العالمية الجديدة. على صعيد النتائج المالية وفي غياب وضوح للمعطيات الداخلية لا يفرق بين ما هو ناجم عن تسيير داخلي وما هو مترتب عن عوامل دولية لها تأثيرها، ذلك أن نمو الاقتصاد العالمي من عدمه يلعب دورا رئيسا في مضاعفة أو تراجع إيرادات سوناطراك، التي لا يمكن استيعاب تحليل جوانب عملها دون وضعها في المشهد الجديد للإستراتيجية الطاقوية العالمية، أخذا في الحسبان الكلفة وإمكانية استكشاف آبار جديدة دون مردودية مالية، علما أن عمليات تنقيب واستكشاف أثمرت آلاف الآبار، لكن تفتقر للمردودية المالية وترتب عنها أعباء بما فيها ايكولوجية. ويدفع الوضع الراهن إلى اعتماد مناجيريالية إستراتيجية ضمن شفافية في التسيير وعليه يتطلب رفع هذا التحدي اتخاذ عمليات جوهرية، من بينها اعتماد تنظيم آني يرتكز على شبكات وليس كما هو الحال على رؤية هرمية، مراكز شفافة للأعباء تدمج تسيير الشراكة، عقلانية في تسيير الموارد البشرية وإقحام الإطارات مع قدرة على الإصغاء للعمال من خلال حوار بناء دائم. يبقى المجمع داخليا المحرك الحقيقي للاقتصاد الجزائري ومورد أساسي لمداخيل المحروقات، مداخيل الضريبة والتشغيل لذلك سوناطراك هي الجزائر والجزائر سوناطراك وبالتالي تسييرها وليس سمعتها ينعكس مباشرة على مجمل المجتمع الجزائري، مما يستوجب تسطير مسارات عمل في وقت يسجل فيه خروج الشركة عن مهنها القاعدية بالرغم من ضعف مواردها البشرية وبالأخص تحمل وظائف مزدوجة مع دوائر وزارية أخرى خاصة في تحلية مياه البحر وإنتاج الاسمنت حديثا والطيران والتفكير في إنشاء بنوك ومن شأن هذا، أي القيام بكل شيء اعتمادا على موارد مالية تملكها المجموعة الوطنية، أن يسيء إلى تسييرها المناجيريالي الاستراتيجي الشامل.
ماهي طبيعة المحاور الرئيسة لتسيير مناجيريالي جديد للشركة؟
النموذج يجب أن يأخذ في الاعتبار النفاذ الذي لا مفر منه للاحتياطات النفطية ومن ثمة إعداد محاكاة تعطي عدة خيارات، وفقا للمعايير والمتغيرات وبالتالي امتلاك قوة التوقع وإزالة المعوقات وضمن هذا التوجه ينبغي تحديد الأهداف وتحسين الأداء، تبعا لكل وظيفة أو نظام تسيير مع التزام الواقعية وتقدير الآثار المتوقعة، مثل الربح والجودة والآجال والكلفة وفقا لعملية تصاعدية. هذه المحاكاة تسمح بوضع سيناريوهين أو ثلاثة لتحسين الأداء للشركة، أخذا في الحسبان التطور الشارد للدولار والأورو من سعر النفط والغاز، مما يسمح بتحديد في كل عملية المضمون وتقدير الوسائل الآجال والكلفة ذات الصلة بالنشاط مع مراقبة مستوى الربح المنتظر وتحرير بطاقة وصفية لكل عملية مرافقة بجدول إجمالي للمؤشرات تتعلق بالأداء المرتقب. يجب على سوناطراك بكونها شركة مساهمة تملكها كلية الدولة أن تواجه التحولات بالنسبة لدورها الجديد كمؤسسة اقتصادية وتجارية خلاقة للثروة، وبالنسبة لتغيير نظام عملها من اجل التطور، ضمن محيط دولي أكثر تنافسية ويتعلق الأمر هنا بتقييم اثر المناخ الاجتماعي والاقتصادي والمؤسساتي، خاصة البنكي وكذا الإصلاحات المقررة أو التي ينبغي المبادرة بها أخذا في الاعتبار اتفاق التبادل الحر مع أوروبا آفاق 2020 واحتمال الدخول إلى منظمة التجارة العالمية. لهذا يجب تحليل كافة القواعد القانونية المؤثرة على قطاع الطاقة، العلاقة مع البنوك من حيث التسديد قصد تسريع العمليات وتقييم هياكل الدعم المهنية والتقنية والتكوينية والتعرف على استراتيجيات المؤسسات المنافسة والهيئات الدولية وعوامل نجاحها من أجل المقارنة الضرورية للإستراتيجية الدولية للمجمعات البترولية والغازية الكبرى، ويتطلب هذا إجراء مقارنة تشمل المحاسبة والتنظيم والفروع وكلفة الاندماج وتنافسية الطاقات البديلة ومراعاة المنافسة العالمية خاصة في سوق أوروبا. ويمكن لتحسين العلاقة بين الشركة والمحيط للرفع من النجاعة والرفع من التنافسية العالمية ويقتضي كل هذا التمتع بإستراتيجية هجومية للحصول على حصص في السوق عن طريق تقليص الكلفة والمطابقة مع المعايير والمناولة الاحترافية.
في هذه الحالة ينبغي دون شك اعتماد محاسبة شفافة ترتبط بالتنظيم الجديد لتقليص الأعباء؟
القيام بتدقيق شامل أصبح حتمية يشمل الأصول المادية وغير المادية وتتعلق المادية أساسا بالعقارات، البنايات، المنشآت الفنية، العتاد والتجهيزات الصناعية ووسائل النقل والعتاد المعلوماتي. في محاسبة الشركات لا تدرج سوى أملاك المؤسسة بحيث لا تظهر الأصول غير المادية وتخص مصاريف البحث والتنمية، الامتياز، الحقوق المماثلة، البراءات، العلامات والحقوق في التأجير التجاري وهو فجوة كبيرة تراعيها الشركات الدولية لتفادي حصيلة منخفضة، وعي عناصر، غالبا ما تعالج بسطحية على ما فيها من حسم لمؤسسة تشبة سوناطراك. في المدى القصير ينبغي لها أن تحضر تدقيقا عمليا للأملاك الموجودة وتحيينه من حيث القيمة في السوق مع القيام بتدقيق تكنولوجي للوسائل المادية الثابتة والمتنقلة من اجل مردودية الموجود، علما أن تعطل أو شلل حظيرة المركبات خاصة لدى نافطال يثير القلق، ومن ثمة التحضير للمستقبل في حالة تختار سوناطراك مسار التنمية في المنبع والمصّب والتخصص في مهن قاعدية، مما يتطلب وسائل تكنولوجية ومالية وبشرية في الاستكشاف والإنتاج والتسويق (تحليل فعالية ونجاعة شركات الحفر والجيوفيزياء والبناء والخدمات للآبار). وبالطبع بالنسبة للنشاطات الموجودة، مثل التكرير والنقل والتحويل والتوزيع، فإن تدقيقا معمقا يسمح بتحديد التوجهات مع أفضلية للإطارات والعمال وكذا الشراكة لتفادي تبعثر الموارد وتبذيرها. ومنه من المستعجل إقامة محاسبة تحليلية وملاءمة الهياكل التنظيمية مع مهام الشركة والمعوقات التي تعترضها وتحديد بنية المسؤوليات وتصور نظام إعلامي فعال. في نفس الاتجاه من المهم العمل على صعيد تقييم العقود وفقا للمعايير الدولية وترشيد استعمال الموارد البشرية والعودة الى مراجعة اعتماد محافظي الحسابات وتدويرهم بمعدل من ثلاث إلى خمس سنوات في المديرية العامة وكل الفروع المملوكة كلية وإخضاع التدقيق للموارد البشرية للحوار ومراجعة نظام الترقيات وتحضير الخلف خاصة في ضوء فقدان كفاءات بفعل التقاعد وكل هذا يقتضي إرساء مناخ يعزز الإنتاجية.