رغم صغر حجمه، يعتبره الكثيرون، سفير الأمم وتاريخها لأنه يسجل في رسومات دقيقة المحطات المهمة التي مرت بها الشعوب والدول ليرسخها في الذاكرة الوطنية والشعبية وحتى تكون خمسينية تأسيس الخدمة الوطنية لحظة لا يتجاوزها التاريخ، تم اصدار، أمس، طابعا بريديا يخلد المناسبة التي تروي تفاصيلها إرادة شباب، كانت خدمتهم العسكرية ومازالت «مهمة وطن».
أشرف اللواء محمد زناخري، الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، نيابة عن الفريق، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، أمس، بالمتحف المركزي للجيش على مراسيم احتفالية إصدار طابع بريدي مخلد للذكرى الخمسين لتأسيس الخدمة الوطنية بحضور هدى فرعون، وزيرة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والتكنولوجيات والرقمنة.
في تصريح للصحافة، أكد اللواء محمد صالح بن بيشة، مدير الخدمة الوطنية ان الاحتفال بمرور نصف قرن على تأسيس الخدمة الوطنية له رمزية كبيرة ودلالة عظيمة، لأنه يقدم واجب التقدير والعرفان لكل الجزائريين الذين تجندوا لخوض معركة بناء وتشييد الدولة الجزائرية الفتية غداة انتزاع الاستقلال الوطني وللدفاع عن السيادة الوطنية والسلامة الترابية، وذكر ان احتفالية الخمسين سنة من تأسيس الخدمة الوطنية سيتواصل الى غاية 18 من الشهر الجاري، أين ستعرف نشاطات رياضية وثقافية، من بينها أوبرات تخلد الذكرى في يومي الـ 9 و 10 أفريل بدار الاوبرا «بوعلام بسايح»، الى جانب تخصيص مجلة الجيش ملحقا خاصا بالخدمة الوطنية في عددها للشهر الجاري، كما سيصدر عدد خاص من مجلة الخدمة الوطنية سيغطي كل التظاهرات التي تمت بالمناسبة، وبالتوازي مع هذه النشاطات سيتم بث حصص إذاعية وحوارات وتحقيقات عن الخدمة الوطنية عبر قنوات التلفزيون الجزائري والإذاعة الوطنية والإذاعات الجهوية.
«مهمة وطن»
كما كانت الجزائر النواة التي جمعت المجاهدين والمناضلين، الباحثين عن رفع قيود الاستعمار واسترجاع حرية أرض سلبت لأكثر من قرن في ثورة أول نوفمبر 1954، جمعت الخدمة الوطنية منذ 16 من افريل 1968 شباب الجزائر الفتية التي أضناها استنزاف المستعمر لخيراتها وتدميره لبناها التحتية من أجل بنائها وتشييدها بسواعد اقتنع أصحابها ان الوطن لا يبنيه غيرهم.
هكذا بدأت رحلة محو أثار الاستعمار على جميع الأصعدة، حتى ارتبط اسم الخدمة الوطنية بأهم الإنجازات و المشاريع الكبرى للجزائر، فمن السد الأخضر الذي ساهم في إعادة التوازن البيئي المحلي والحفاظ عليه وكذا تحسين الظروف المعيشية لسكان المناطق المجاورة، الى طريق الوحدة الافريقية الى إعادة الاعمار.
شارك الشباب المجند في صفوف الجيش الوطني، طيلة مدة الخدمة، في عملية إعادة اعمار المدن والقرى التي مسّها الدمار، وطبعا لم يبق شباب الخدمة الوطنية متفرجا في عملية استحداث بنى تحتية أساسية كالمستشفيات، المطارات، السكك الحديدية والمؤسسات التعلمية، فكان المحور الأساسي والقاعدة المتينة في عملية التنمية.
لأنهم مجندون من أبناء هذا الوطن على اختلاف اطيافه كانوا اول الداعمين في الكوارث الطبيعية بالمشاركة في عملية الإنقاذ ولعل ما سجلته الصور في زلزال الاصنام 1980 وبومرداس 2003 وفيضانات باب الوادي 2001 وتدخلاتهم لفك العزلة عن القرى المعزولة بسبب الثلوج خير دليل على ذلك، دون ان ننسى مساهمة الخدمة الوطنية في الحد من الأمية حيث تقوم مصالحها في مراكز الخدمة الوطنية، أين يتلقى المجندون الأميون دروسا في الكتابة والقراءة.
2014 .. باب على العصرنة
بموجب التطورات والعصرنة التي عرفها المجتمع الجزائري في مختلف مناحي الحياة ونظرا الى التطور الذي سجلته المؤسسة العسكرية في كل المجالات وتطور مفهوم الدفاع نفسه، وقّع السيد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في 2014 على قانون جديد للخدمة الوطنية تضمن إجراءات تحفيزية لفائدة الشباب المجند، لعل أبرزها تقليص مدة الخدمة الى 12 شهرا .
كما أقر القانون الجديد على حق العسكري الذي يقوم بالخدمة الوطنية بعد المدة القانونية لها الحصول على راتب الخدمة، بحسب الرتبة، كما كفل حقوق العسكري في الخدمة الوطنية الذي كان يعمل قبل تجنيده في القطاع العام أو الخاص العودة الى منصبه بعد فترة الخدمة في مدة أقصاها ستة اشهر، الى جانب احتساب الفترة التي يقضيها المواطن في الخدمة الوطنية ضمن الاقدمية في مكان عمله للاستفادة من الترقية أو في التقاعد.
الخدمة الوطنية إذا، وخلال الخمسين سنة الماضية، استطاعت ان تبلور لكل المجندين فيها عبر عقود من الزمن شخصية قوامها الوطنية والحرفية، لتكون الفسيفساء التي يشكلونها تجسيدا حقيقيا للحمة الوطنية واتحادها حول هدف واحد هو الجزائر.
حتى لا ننسى يجب ان نتذكر هؤلاء الشباب الذين كانوا الهدف الأول للإرهاب في سنوات الجمر التي حرمت الكثير منهم من عائلاتهم رغم انهم لم يتجاوزا حينها سن الثامنة عشر، شباب هبوا لنداء وطن جريح، وضحوا بأرواحهم حتى لا تحترق صفحات المجد التي كتبها شهداء الحرية والمقاومة طيلة الـ 132 سنة من الاحتلال، استشهد هؤلاء الشباب المجندين لننعم نحن اليوم بالأمن والاستقرار، وحتى يكتب التاريخ انهم كانوا خير خلف لخير سلف، هم كثيرون ومن مختلف ارجاء البلاد، جمعتهم كما جمعت سابقيهم في الخدمة وستجمع لاحقيهم فيها كلمة واحدة هي «الوطن».