مشاريع النقل بالسكة الحديدية... الجرح النازف
يتخبط قطاع النقل بولاية معسكر في عدة مشاكل ونقائص لا تخفى على العيان، ضمن مجموعة من النقاط السوداء التي تكبح مسيرة التنموية في هذه الولاية التي عرفت حركية واسعة في كافة القطاعات باستثناء قطاع النقل رغم أهميته، وذلك باعتراف رسمي من السلطات المحلية ومصالح مديرية النقل للولاية على حد سواء.
يشير تقرير مفصل لمصالح القطاع تحوز «الشعب» نسخة منه، أن أغلب مشاكل القطاع تنحصر في مجال النقل الطرقي للأشخاص، من حيث تدني خدمات نقل الركاب والمسافرين وعشوائية تسيير مرافق القطاع الواقعة تحت تصرف البلديات من محطات حضرية، برية وشبه حضرية والتي تعيش فوضى عارمة من حيث التنظيم والتسيير، ومشاكل أخرى حالت دون تطوّرها إلى مصاف محطات عصرية تتوفر على أدنى المواصفات والمقاييس والخدمات، هذا إضافة إلى غياب التحكم في شبكة توزيع المواصلات وعدم تغطيتها لكافة تراب الولاية وعدم التزام معظم الناقلين بخاصية نشاطهم المهني، الذي لم يعد يتوخى منه المواطن النوعية، بل الالتزام فقط بتقديم خدمات عمومية عادية ترقى إلى احترام مواقيت العمل، خاصة بالنسبة للموظفين من سكان المناطق البعيدة عن المدن والمناطق الحضرية الذين يكملون دوامهم المهني في حدود الساعة 5 ويستنجدون عادة بخدمات الناقلين غير الشرعيين والنقل المجاني من فضل مستعملي الطرق.
كذلك الحال في مجال النقل الطرقي للأشخاص بالنسبة لخدمات النقل المدرسي، التي تعاني منها بعض المناطق الريفية النائية وحتى المناطق شبه الحضرية، إضافة إلى مجال النقل بسيارات الأجرة الذي لا يخلو من الفوضى والمشاكل بسبب تجاوزات الناقلين وتعنتهم في تطبيق التنظيم، رغم ما يسبق مزاولتهم للنشاط من تكوين وتأهيل، الأمر الناجم عموما عن غياب المراقبة والصرامة في تسيير أحد أهم القطاعات التنموية المرتبطة بالحياة اليومية للمواطن، هذا باعتبار «النقل البري أو الطرقي للأشخاص» أهم مجال تسيّره مصالح النقل لولاية معسكر، بفعل الشلل النسبي لحركية النقل بالسكة الحديدية والنقل الجوي.
غياب المراقبة والتحكم من مسببات مشاكل القطاع
فمن أبرز مسببات المشاكل التي يعاني منها قطاع النقل بولاية معسكر، غياب المراقبة والتفتيش الدوري لحركية النقل البري بفعل عدم توفر مصالح النقل للولاية على العدد الكافي من الأعوان والمفتشين، وتتوفر هذه المصالح الإدارية على مفتشين فقط يغطيان كل إقليم الولاية، كما لا تملك مديرية النقل لمعسكر سيارة خدمة من أجل تسهيل وضمان حركية أعوان التفتيش في أريحية وظروف مثلى.
مشاكل قطاع النقل كقطاع تنموي في هذه الولاية المحورية ذات الموقع الاستراتيجي لا تنحصر في مشاكل النقل البري وتردي خدماته، إنما تتعدد في مجال النقل بواسطة السكة الحديدية وتنعدم كليا في مجال النقل الجوي رغم وجود منشأة إستراتيجية «مطار غريس» يعود تأسيسها إلى فترات متقدمة من التاريخ، إلى ذلك يمكن القول إن مشاكل قطاع النقل بالولاية لا ترتبط بالموارد المالية فحسب، إنما بغياب الإرادة البشرية والإدارة الذكية لدرجة أن هذه المشاكل ومسبباتها لم تطرح على مسامع الوزير عبد الغني زعلان خلال زيارته لولاية معسكر قبل نحو أسابيع من اليوم.
قطاع حساس يسير عكس تحديات التنمية
بالرغم من التطور الذي عرفته شبكة الطرق الوطنية والولائية على حد سواء، وحتى الطرق البلدية والريفية بولاية معسكر في السنوات القليلة الماضية، إلا أن حركة المواصلات في مجال النقل العمومي والحضري تبقى ضعيفة ودون المستوى المنوط بتقديم خدمات نوعية للمواطنين، بالمقارنة مع حجم المجهودات التي جاءت في المخططات التنموية بداية من سنة 2010، حيث تم تخصيص 56 مليون دينار لدراسة تهيئة وتأهيل 11 محطة برية وحضرية عبر تراب ولاية معسكر و30 مليونا لدراسة مخطط الحركة والمرور بثلاث دوائر كبرى، فضلا عن دراسات لإنجاز 3 مضامير امتحان السياقة في سيق، المحمدية ومعسكر، إذ بقيت بعض هذه الدراسات مجرد اقتراحات على الورق دون أن ترى النور على أرض الميدان، عدا ما تعلق بتأهيل محطتين حضريتين لنقل المسافرين، ضمن 4 محطات كانت مبرمجة للتهيئة من بينها محطة تيغنيف التي لا تتوفر اليوم على محطة تليق بدائرة كبرى بحجمها.
أما الموجودة منها حيز الخدمة، فإحداها تحولت إلى محلات لبيع الخردوات والملابس المستعملة أيام الجمعة بعاصمة الولاية، بعد أن سقط تسييرها في يد المجلس البلدي السابق لمعسكر، فيما لا تتوفر محطة طريق الوادي محل الموضع والتي استهلكت مبلغا ماليا هاما بهدف تأهيلها إلى محطة حضرية على دورات للمياه أو محلات لتقديم الخدمات الضرورية المختلفة للوافدين عليها، عدا الملابس المستعملة والخردوات التي تعرض بشكل فوضوي جدا داخل المحطة.
نفس الوضع تسير عليه المحطات الحضرية بباقي تراب الولاية وتعاني منه بشدة المحطة البرية لعاصمة الولاية بحي خصيبية التي نالت شرف تدشينها من قبل رئيس الجمهورية سنة 2003، زيادة على مشاريع ممركزة في مجال النقل بالسكة الحديدية التي لاتزال بين مد وجزر وتردد السلطات عن تنفيذها في أرض الميدان بداعي الإمكانات المادية رغم إمكانية مساهمة هذه المشاريع في دفع عجلة التنمية الفلاحية والاقتصادية للولاية على الأقل - ما دام مشروع تحويلها إلى «كاليفورنيا الجزائر» مجرد نكتة وحلم صعب المنال.
النقل بالسكة الحديدية الوجه السلبي للتنمية بولاية معسكر
على العموم يعاني قطاع النقل بولاية معسكر من مشاكل كثيرة، لعله أضحى يشكل الوجه السلبي للولاية التي أصبح كل شبر منها ورشة مفتوحة على التنمية، خاصة بعد حالات الشلل المتتابعة التي ضربت مجال النقل الجوي والنقل بالسكة الحديدية، مع أن الولاية تتوفر على مرافق قاعدية هامة للمجالين، منها مطار غريس الذي أصبحت خدماته تقتصر – نادرا - على الرحلات الرسمية للوفود الحكومية والأجنبية المارّة بالمنطقة، في ظل عزوف غير مبرر للمواطنين وضعف مردودية خدمات النقل الجوي، بالرغم من التحفيزات التي طرحت في شأن سعر التذكرة للرحلات الداخلية التي خصصت لخط النقل الجوي بين العاصمة – تيارت - معسكر، إلى أن زحف الشلل أيضا على مجال النقل بالسكة الحديدية بعد انتعاش عرفه المجال في المنطقة سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
وكانت خطوط نقل البضائع تمثل شريان حياة للمنطقة التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى إنعاش حركة النقل بواسطة السكة الحديدية لربط الناحية الشمالية للولاية بالجنوبية، خاصة مع استعداد ولاية معسكر لاستقبال 4 محيطات فلاحية مسقية موزعة بين إقليم سيق والمحمدية في الشمال وسهل غريس ومحيط كشوط في أقصى شرق إقليم الولاية ومع استعداد السلطات المركزية وعملها على تحويل منشأة مطار غريس إلى مركز للشحن الجوي من أجل تسويق المنتجات الفلاحية التي تجود بها المنطقة نحو أسواقها الوطنية والإفريقية مستقبلا.
مطالب لإنعاش قطاع النقل
في هذا الصدد، تظل مطالب بعث حركية النقل الجوي والنقل بواسطة السكة الحديدية بولاية معسكر وعلى مدار سنين خلت، من الانشغالات الأساسية لسكان الولاية ومواطنيها. نفس المشكل يظل مطروحا بإلحاح شديد أمام الهيئات المنتخبة المحلية والوطنية، على غرار المجلس الشعبي الولائي وعلى مستوى البرلمان، خاصة وأن عاصمة الولاية عرفت حركية مميزة لنشاط النقل بالسكة الحديدية قبل وبعد الاستقلال، إلى أن شلّ هذا القطاع في سنوات السبعينيات من القرن الماضي وقضي عليه بالقضاء على منشآته وأملاكه العقارية.
غير ذلك، يبقى أمل إعادة المجد الاقتصادي للمنطقة قائما، من خلال إحياء نشاط السكك الحديدية وتأهيل محطة النقل بالسكة الحديدية للبضائع بمدينة تيزي وتحويلها لتوسيع خدماتها في مجال نقل الأفراد والمسافرين، وتأهيل محطات السكة الحديدية لسيق والمحمدية، مع تثمين وإنعاش عمل الوحدة الجهوية لصيانة العتاد الموجودة بالمحمدية والتابعة للشركة الوطنية للسكك الحديدية، باستغلالها وتثمين نشاطها لتلبية حاجيات القطاع.
مشاريع السكة الحديدية لا تخرج من التسجيل إلى التنفيذ
أما ما استفادت منه ولاية معسكر، من مشاريع في مجال النقل بالسكة الحديدية ضمن المخطط الخماسي 2010-2014، فهي تتلخص في شطر من مشروع وطني لإنجاز خط مكهرب مزدوج، قيد الإنجاز- يربط وادي تليلات في ولاية وهران بالحدود المغربية، على أن يمر الخط المكهرب بسلسلة جبلية بمنطقة القعدة وزهانة على مسافة 11 كلم، إضافة إلى مشروع لعصرنة خط السكة الحديدية على خط وهران - المحمدية وضع حيز الخدمة، تضمن إنجاز منشأة فنية على طول 560 متر، ويمكن قطار «عنابة –وهران» من رفع سرعته إلى 220 كلم/ سا.
مشاريع هامة في مهب الريح
وعلى الرغم من الرداءة التي يتصف بها قطاع النقل بواسطة السكة الحديدية في ولاية معسكر، إلا أن نوايا السلطات المركزية برزت بشكل مرضٍ، حين قررت تسجيل 3 دراسات لفائدة سكان المنطقة في قطاع النقل بالسكة الحديدية وإنجاز نفق لخط الجزائر – وهران الذي يمر بوسط مدينة المحمدية، الأمر الذي من شأنه تخفيف الضغط والازدحام المروري الخانق على مدينة المحمدية، التي تشهد فوضى مرورية عارمة كلما مر القطار باتجاه الجزائر أو وهران. فضلا عن دراستين لإنجاز خط يربط بين المحمدية ومعسكر وصولا إلى ولاية سعيدة، وخط آخر لنقل البضائع يصل المنطقة الجنوبية لمعسكر «سهل غريس» بولاية سعيدة.
كلها قرارات جاءت قبل أن تضرب الأزمة الاقتصادية وتعصف بمشاريع تنموية هامة، منها ما ذهب في مهب الريح، من بينها هذه الدراسات التي سجلت ضمن دراسة وطنية شاملة لإعادة الاعتبار وتأهيل شبكة النقل بواسطة السكة الحديدية عبر الوطن، رصد لها مبلغ أكثر من 18 مليار دينار، وتبقى طور الانجاز.
غير ذلك، يبقى قطاع النقل بولاية معسكر في ذيل ترتيب القطاعات التنموية، لافتقاره لأهم المرافق القاعدية، على غرار المحطات الحضرية التي بيعت من طرف البلديات على أساس أن يعاد استغلالها في مجال النقل الحضري، لتصبح بعد ذلك مهملة ودون استغلال. في حين تتواجد باقي المحطات في ولاية معسكر، في مواقع غير استراتيجية وتفتقد لأدنى المعايير التقنية، على غرار المحطة البرية لعاصمة الولاية التي تغيب عنها شروط راحة المسافرين والخدمات الضرورية ضمن مشاكل أخرى تؤرق المواطن ومصالح النقل على حد سواء، زيادة على غياب التنظيم والمراقبة على الناقلين الخواص ومعاناة المواطنين، لاسيما الموظفين مع مشكل انقطاع سبل وحركية المواصلات في حدود الساعة 4 بعد الظهر.