لازال الإرهاب يمثل بمختلف أشكاله وتنوع تهديداته أحد أبرز التحديات الراهنة في العالم وأكثر القضايا الملّحة التي تستدعي توافقا أمميا للتصدي لمدّه، الذي لم تعد تعيقه الحدود الجغرافية ولا القيود الأمنية في تنفيذ مآربه التدميرية واللاإنسانية، خاصة بعد التطوّر الهائل لتكنولوجيات الاتصال والإعلام الذي وسّع فجوة التهديدات، وفي هذا السياق تحديدا تطرّق رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مؤخرا في رسالته خلال أشغال الدورة 35 لمجلس وزراء الداخلية العرب، إلى ظاهرة المدّ الإرهابي التي ساهم في تعزيز مخاطرها الفضاء الرقمي، مشددا على أهمية الوعي العميق بحساسية الموقف لمواجهة هذه الظاهرة التي لا تستثني من خارطتها أي دولة.
«الشعب» تتوقّف اليوم مع الباحث في الشؤون العسكرية توفيق هامل للبحث في جوانب العلاقة التي تربط تمدّد الارهاب بالفضاء الرقمي وبوسائط الإعلام الحديثة، التي أصبح الدمويون يستخدمونها للتعبئة والتجنيد ونشر دعايتهم وجمع الأموال من خلال الفدية والتنسيق مع شبكات الجريمة المنظمة.
«الشعب»: التمدّد الإرهابي أصبح مرتبطا بالتطور التكنولوجي وباستخدام وسائط الإعلام الحديثة، ما العلاقة بين الإرهاب وتكنولوجيات الإتصال هذه؟
الدكتور توفيق هامل: تعتمد الأنشطة الإرهابية بشكل كبير على الشبكات التي غالباً ما تشمل مناطق جغرافية واسعة حيث يتمّ تداول الناس والبضائع والأموال، وتسهل شبكات الحاسوب والاتصالات القيادة والتحكم والاتصال وتوظيف ونقل وغسل كميات كبيرة من الأموال لتنفيذ نشاطهم الإرهابي، وبالإضافة إلى ذلك ينشئ الإرهابيون خلايا متخصصة لاستخدام وسائل الإعلام والأنترنت للتعبئة ونشر دعايتهم ومطالبهم. وبسبب التقنيات الجديدة، فإن الإرهابيين مرتبطون بصفة حقيقية وبصفة افتراضية بالجماعات الإرهابية في مناطق أخرى، هذا فضلا عن أنهم يحصلون من خلالها على إمكانية عدم الكشف عن هويتهم كما تساعدهم على توسع النطاق الجغرافي لأنشطتهم الإرهابية.
ملايين الدولارات أيضا سقطت في جيوب المنظمات الإرهابية بسبب الفدية التي تستخدم شبكات من العملاء لتوجيه تلك الأموال من خلال أنظمة تحويل الأموال غير الرسمية، ولكن الأكثر إثارة للقلق أيضا هو استخدام المؤسسات المالية الشرعية مثل البنوك ودور الصرف الأجنبي في الدول التي تتمتع بأنظمة رقابية هشّة، ما يجعل عملية مراقبة حركة رؤوس الأموال صعبة، على غرار ما قامت به القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الدموية حيث جمعت وحدها مبلغ 65 مليون دولار على الأقل كمدفوعات فدية من 2005 إلى 2011، وهو جزء مهم من ميزانيتها السنوية البالغة حوالي 15 مليون أورو، لذلك فإنه من الواضح أن هناك صلة بين هذه الأنشطة الإجرامية والإرهابية المختلفة والشبكة المعلوماتية التي تساعدها في ذلك، بحيث تسهل تكنولوجيات المعلومات الربط فيما بينها وعبرها تبيض أموالها ووفق نفس الخطط تنفذ أنشطة متعددة ومتوازية (مشروعة أو غير مشروعة).
- أصبح الإرهاب يوظّف التكنولوجيا في التجنيد، التمويل والتخطيط لتنفيذ مذابحه، ألا ترون أن ذلك يشكّل تحديا خطيرا للعالم أجمع؟
يستمر الإرهابيون في زيادة كفاءتهم وقدراتهم على الانتشار عالميا من خلال استخدامهم المتحكّم في المعلومة النظامية للعولمة، بالإضافة إلى أن تواصلهم بالشبكة يسمح لهم بتجميع دوافعهم المشتركة في الحدود الوطنية عبر خلق مجموعات جديدة من المتطرفين والدمويين.
إن انتشار التكنولوجيا والمعلومات والتمويل أعطى الجماعات الإرهابية الإجرامية قدرة أكبر على التنقل والوصول إلى مختلف أنحاء العالم، كما ساعدت العولمة هذه الجماعات الإرهابية في تنفيذ عملياتها عبر الشبكة واستخدام هذه التقنيات الجديدة لتعزيز تواجدها وزيادة كفاءتها التنظيمية وقدرتها في العمل على نطاق عالمي حقيقي، إذ أنه من خلال الإرهاب الرقمي يتمّ استخدام التقنيات الرقمية لإرهاب وإخضاع الآخرين أو من خلال القيام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفية دوافع سياسية أو عرقية أو دينية. وبنفس الطريقة استفادت داعش والقاعدة من الطفرة العالمية لتكنولوجيات الاتصال.
إن الطبيعة المتسارعة لتطور الاتصالات اليوم غيّرت أنماط التعبئة الشعبية، سواء من حيث المشاركة أو الأغراض التي يتمّ شنّ الحروب من أجلها، وبالتالي فإن تعميم شبكات المعلومات أضاف بعدًا جديدًا للحرب العابرة الحدود.
وفي المستقبل، قد لا يكون قياس نشاط الجماعات الإرهابية مرتبطا بعدد العمليات الهجومية التي تنفذها على أرض الواقع فقط، بل بمستوى إتقانها للتكنولوجيا ووصولها إلى مخزونات الأسلحة، لذلك فإنه من الضروري اليوم على العديد من الدول بما فيها الجزائر أن تكون مبتكرة في هذا المجال وأن تكون يقظة ولا تغفل عن أهمية هذا الجانب لتفادي المخاطر المنجرّة عنه.
- تطور الظاهرة الإرهابية واعتمادها على التكنولوجية جعل دول العالم أمام حتمية عصرنة أجهزتها الأمنية وإنشاء وحدات خاصة بالأمن الإلكتروني، هل هذا كاف لمجابهة المدّ الإرهابي؟
سهولة الاتصال بالشبكة العالمية أدت إلى توسع العمليات الإرهابية لتشمل الفضاءات الافتراضية الجديدة، حيث يجذب الفضاء السيبراني الهيئات والأفراد التي ليس لهم صلة جغرافية بالصراع ويتيح دور شبكات المعلومات القيام بتعبئة جماهيرية فقد سمحت مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك، تويتر، يوتيوب وغيرها بدمقرطة الاتصال بالشبكة مما جعلها تلعب دوراً رئيسياً في الشؤون العالمية، من خلال تعبئة الناس في أوقات السلم والحرب، وهو ما يشكل مؤشرا على قيادة التكنولوجيا للتغيير العالمي، وعلى الرغم من أن القدرات الحالية للجهات الفاعلة غير النظامية محدودة، إلا أن ذلك قد لا يستمر لفترة طويلة، حيث تتوفر فرصة من خمسة أو عشرة على الأكثر لتطوير إستراتيجية مكافحة التمرّد على الإنترنت.
وهي نقطة سبق وأن أكّد عليها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في رسالته لمجلس وزراء الداخلية العرب 35 الذي عقد بالجزائر أين اعتبر أن الفضاء الافتراضي أضحى ملاذا للإرهاب، كما لم يفوت المناسبة للتنبيه إلى ظهور خلايا إرهابية سيبريانية تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بعمليات التحريض والتجنيد وجمع التمويل واختراق المواقع الإلكترونية على مواقع مؤسسات حكومية أو خاصة بهدف الإضرار بها، حيث أضاف محذرا «إن هذا الفضاء الافتراضي قد أضحى تحديا أمنيا للبلاد العربية خصوصا وأنه يمثل ملاذا للتنظيمات الإرهابية وكل الشبكات الإجرامية لكونه غير مرئي، لاسيما تلك التي تنشط في الاتجار بالبشر والأعضاء البشرية والمهاجرين غير الشرعيين والمتاجرة بالمخدرات والأسلحة، فضلا عن دوره في تجنيد الارهابيين الجدد وربط شبكات الدمويين بعضهم ببعض وتوفير مصادر تمويل خارج الرقابة المنتهجة في إطار تجفيف منابع تمويلها التقليدية».
من هنا يتبيّن التأثير الكبير للفضاء السيبراني الذي لا يحوّل الاتصالات فقط وإنما يمكّن أيضا من تحقيق التعبئة السيبرانية، لذلك فإن تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية أضحى ضرورة حتمية، لكن في النهاية لا يزال أمام الدول العربية عموما والجزائر الكثير من العمل في هذا المجال، حيث تحتاج مؤسسات الدولة إلى ترجمة ذلك بتعزيز قدرتها داخليا وتعزيز أمن مرافقها الحيوية، كما يجب عليها تطوير إستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب وجعلها تتكيف مع متطلبات «الحرب ضد الإرهاب الرقمي».
- هل من استراتيجية وقائية ودفاعية؟
بالإضافة إلى الجريمة السيبرانية، يجب أن تهتم الجزائر ودول الجوار بالإرهاب السيبراني والحرب السيبرانية، ويجب أن تضمن إستراتيجية حقيقية شاملة للأبعاد الثلاثة في إستراتيجية «الدفاع السيبراني»، كما أنه من الممكن القول، أن التحديات المستقبلية ستشمل على نحو متزايد صراعات في الفضاء السيبراني في جميع الأبعاد وبما أن «الفضاء الإلكتروني هو مسرح جديد للعمليات» في القرن الحادي والعشرين، فإن القوات المسلّحة الحديثة لا يمكنها ببساطة أن تعمل بفعالية دون وجود شبكة اتصالات ومعلومات موثوق بها ومرنة، لذلك من المهم أن تتمتّع الدولة بقدرة على التحكم في الفضاء الإلكتروني ويعدّ إطلاق الجزائر أول قمر صناعي للاتصالات بالتعاون مع الصين خطوة مهمة نحو تأمين مؤسساتها وتحقيق الأمن السيبراني.
ومع ذلك، فإنه من المهم التأكيد على أنه وعلى الرغم من أن التحكّم في المجال البحري والجوي والبري يدخل ضمن أركان إرساء السيادة الوطنية، إلا أن الفضاء الإلكتروني يمثل أيضا معركة أخرى يجب إتقانها. وهو مجال عالمي في بيئة المعلومات يشمل شبكات مترابطة من البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك شبكات الأنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية.