تواصلت، أمس، الاحتفائية بالفنان عبد القادر فراح، التي نظمها المسرح الوطني الجزائري على مدار يومين، بمجموعة من المداخلات حول الفقيد، تنوعت شهادة زوجة أخ الفقيد يمينة وابن أخيه مروان، وقراءة في للبيبليوغرافيا والأرشيف قدمها الأستاذ الطيب ولد عروسي، وتقديم لإنجازات الفقيد ومساره الإبداعي قدّمه بطريقته المتفرّدة الفنان القدير عبد الحميد رابية.. فيما عرض اعمر أزراج في الفترة المسائية شهادته عن صديقه فراح.
حاول الأستاذ الطيب ولد عروسي تقديم خلاصة بحثه وتنقيبه البيبليوغرافي، في الوثائق والمراجع والمصادر التي تطرق للسينوغرافي عبد القادر فراح. ولعلنا نبدأ من الملاحظات التي خلص إليها ولد عروسي، الذي لاحظ غياب فراح عن أهم المعاجم التي تطرقت للكتاب الجزائريين، كما لم يجد له أثرا في المعاجم الفرنسية الكبرى مثل «لاروس» و»روبير» وموسوعة «أينيفرساليس» وغيرها، و»يبدو أن هذا الغياب ساهم فيه فراح بقلة نصوصه، وكونه رجل ميدان ربما جعله غير حاضر في الكتابات المرجعية الكبرى»، يقول ولد عروسي، مضيفا بأن «وراء كل رجل مثل فراح فريق إعلام يهتم بعروضه وحياته، وهذا الجانب الجزائري غائب، فهل أغفل فراح هذا الجانب أم أنه لم يكن لديه وقت لذلك؟» يتساءل ولد عروسي.
وإذا كان فراح مقلّا في الكتابة، واكتفى بمقالات منها «برفقة شكسبير»، فإنه كان غزير الإنتاج في الميدان، ومن الأدلة على ذلك اشتغاله على 3 مسرحيات كبيرة سنة 1958. وقد بحث ولد عروسي في مكتبات الكونغرس، هارفارد، إيتاكا، وغيرها، ومن المراجع العامة باللغة الفرنسية التي عثر عليها «القاموس البيوغرافي» لمنصور عبروس، و»القاموس الصغير للمسرح الجزائري» لعاشور شرفي. أما المراجع الإنجليزية فقد كتبت عنه كثيرا، مثل «دليل كامبريج للمسرح»، إلى جانب مقالات أكاديمية دسمة في مكتبتي الكونغرس وهارفارد.
أما المقالات والمواقع باللغة العربية، فإن الاهتمام الحقيقي بفراح بدأ قبل بضعة سنوات، «سمعت فيما بعد عن مقالات قديمة مثلما كتب ألفرد فرج، ولكنها لم تصلني» يقول ولد عروسي، الذي وصف فراح بأنه كان مجروحا من ناحية وطنه وجرحه آلمه حتى توفي، وأنه كان واحدا من أهم المناضلين من أجل القضية الفلسطينية، وأنه لم يكن منظرا جالسا فوق برجه العاجي، بل كان رجل ميدان.
من جهته، قال الأستاذ سعيد بن زرقة: «نعرف أن ألفريد فرج هو أول من كتب عن هذه الشخصية المهمة، وكتاب «أضواء المسرح الغربي» يذكر فيه بشكل مطول سيرة فراح، ونشر قبل ذلك في مجلة الدوحة، والجميل في عبد القادر فراح أنه يجيب على المراسلات ودقيق فيها ويحترم كل الناس، وهو ما وفّر مادة إضافية عنه».
وأشار بن زرقة إلى خصوصية فراح المنبثقة من مساره المتفرّد، وهو الذي تربى في الزاوية وحفظ القرآن واستمع إلى ألف ليلة وليلة والسيرة الهلالية، ثم انتقل إلى العاصمة ثم باريس ثم لندن، ثم إلى مختلف عواصم العالم. كما أن إنجاز تصاميم لشخصيات كبيرة مثل شخصيات شكسبير لم يتوفر لأي كان، على غرار مسرحية هنري الخامس التي تتطرق إلى الحرب بين بريطانيا وفرنسا، وبعبقريته وجد فراح حلولا سينوغرافية كثيرة، كأن اعتمد الرداء الجلدي الذي يظهر حديديا، ووظف الخيام، ولولا إضافات فراح لما تمسكت به فرقة شكسبير، يؤكد بن زرقة، مذكّرا بأن الهدف من هذا اللقاء هو جمع ما توافر وتناثر عن هذا الفنان الموسوعي.
صرامـــة.. ومثابـــرة
كما قدمت زوجة أخيه السيدة يمينة فراح شهادة مقتضبة، قالت فيها إن أول لقاء به كانت بمناسبة ميلاد ابنها مروان: «أرسلنا صورة مروان إلى فرقة شكسبير الملكية ونجح الاتصال واستمر»، كما قامت بزيارته زارته في لندن. وروت كيف توقف الفنان عن الدراسة والتحق بأخيه محمد ببسكرة، وهناك بدأ يرسم، وكانت رسوماته مستلهمة من المداحين والفانتازيا. كما روت كيف كانت رسامة فرنسية «السيدة شوفريون»، التي كانت تتداوى بحمام بسكرة، سببا في انتقاله إلى فرنسا، ووقفت هي وزوجها إلى جانبه رغم عنصرية مدير المدرسة العادية، ومن فرنسا كان انتقاله إلى بريطانيا بطلب من مسرحيين بريطانيين.
أما ابن أخيه مروان، وهو موسيقي ومخرج تلفزيوني، فقال: «لما كنا في غرداية كان عمي بمثابة والدي الثاني، كان يأتي لتحضير أعماله، ولتخصيص وقت لعائلته، وحينما دخلت تكوينا في السينما بالتلفزيون الجزائري في 1991 كان دائم الاتصال بي وينصحني في تكويني وحينما أرسل إليه تسجيلاتي الموسيقية كان ينقدها وينتقدها». وأضاف: «كان دائما يشجعني ويقول لي إنه يجب العمل والتميز مهما كان المحيط.. كان يحب بلده كثيرا، ولطالما تمنى العودة والعمل هنا».
أين أنتم أيها «السينوغرافيون»؟
كما عهدناه، استلم الفنان عبد الحميد رابية الكلمة، وأدلى بدلوه ونفع بمعلوماته الغزيرة جمع الحضور.. ولكنه قبل ذلك لاحظ كيف نظم المسرح الوطني يومين دراسيين متعلقين بأحد أكبر فناني السينوغرافيا ولكن المعنيين المباشرين بالأمر وهم السينوغرافيون غير حاضرين.ووصف رابية فراح بأنه معروف ومشهور في العالم ولكنه منسي ومجهول في بلاده التي أحبها، وقال إن هذا اليوم الدراسي هو حتى لا ننسى هذا الفنان المخضرم. وأضاف: «عرفت فراح سنة 1964 في تربص بسيدي فرج، وكان سني حينذاك لا يتجاوز 18 سنة».. نشر فراح في أكبر المجلات على غرار في «الأزمنة المعاصرة» التي كان يشرف عليها جون بول سارتر. وساند بمواقفه الثورة التحريرية ونتج عن ذلك مقاطعة فرنسية له.من جهته، قال علاوة جروة وهبي في مداخلة مقتضبة: «لم أكن أعلم أن فراح كتب نصوصا مسرحية، وأعد بترجمة نصه إلى العربية». وأضاف بأن مصطلح السينوغرافيا دخل الجزائر سنة 1987 مع فراح وجواد الأسدي في ملتقى بفندق السفير: «لم نفهم حينها معنى مصطلح سينوغرافيا، وطلبنا شرحا أكثر من فراح والأسدي بعد المحاضرة». ومن هنا بدأت السينوغرافيا تعوض كلمة الديكور في المسرح الجزائري، يقول جروة وهبي.وتأتي هذه التظاهرة في إطار «نفض الغبار» (على حد تعبير زياني شريف عياد) عن شخصية عبد القادر فراح الفذة والعالمية، والتعريف بالهبة التي قدمها للمسرح الوطني وهي معروضة وموضوعة في متناول المهتمين.