لم يكن طريق الاستقلال معبّدا، ولا سبيل الحرية محفوفا بالورود، هو ما أكدته شهادة المجاهدة شلالي خديجة المناضلة في صفوف «المالغ»، أهم تنظيم إبان الحرب التحريرية الكبرى، مجاهدة حملت بدل المرآة السلاح وعوضت الفساتين البذلات العسكرية، وانضمت لجهاز «المالغ» الذي تمّ تأسيسه بعد أن واجه أفراد جيش التحرير الوطني بالولاية التاريخية الخامسة صعوبة كبيرة في توزيع الأسلحة وحملها، وكذا في طريقة الاتصال بينهم وبين المشرفين عليهم، وتفاديا للمخاطر التي كان يقع فيها المسبلون الحاملون للرسائل والمعلومات، قرّر البطل العربي بن مهيدي قائد المنطقة التاريخية الخامسة رفقة نائبه عبد الحفيظ بوصوف إنشاء هيئة خاصة أو مديرية لتكوين أفراد من جيش التحرير الوطني ليتولوا مهمة الإشراف على الاتصالات السلكية واللاسلكية لتسهيل مهمة الاتصال وكذا التنصّت على وحدات الجيش الفرنسي لمعرفة خطّطه وإفشالها.
ولدت شلالي خديجة يوم 8 جانفي 1939 بوجدة بالمغرب الشقيق، حيث كانت من بين الدفعة الأولى التي كان يشرف عليها الشهيد بوصوف عبد الحفيظ «المدعو سي مبروك».
كانت شلالي خديجة من ضمن الجالية الجزائرية، حيث تأثر الشباب المتعلم من أبناء الجزائريين من مواليد المغرب بأخبار الثورة التي كانت تصل من حين إلى آخر عن طريق «باري ماتش» وهو ما حفزها على الالتحاق بالجبال بعد الخضوع لفترة تكوينية في المراقبة والاستعلامات والتجسس المضاد مدة شهرين، والتحقت مباشرة بالمنطقة الخامسة / الولاية الخامسة، بصفة مراقبة لدى المحافظة السياسية. كما يشهد لها أنها كانت ذات حنكة فريدة من نوعها وشجاعة في المهام التي أسندت لها.
وكانت من اللاتي غادرن مقاعد الدراسة في المدرسة الفرنسية، وتخلين عن حياة الترف والثراء في وجدة، واخترن الالتحاق بالثورة التحريرية، فكانت نواة تأسيسية رفقة رفقائهن الطلبة الشباب لسلك المراقبين تحت إشراف عبد الحفيظ بوصوف الذي لقبها بـ «غنوجة».
شلالي خديجة كانت تدرس في ثانوية البنات، إلى أن بدأت تصلهن الأخبار إلى المغرب عن الثورة التحريرية، وبالضبط تفجير المنزل واستشهاد «علي لابوانت» من مجلة «باري ماتش». وهنا قرّرت الالتحاق بالثورة عن طريق اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين.
كانت الشهيدة شلالي خديخة قاصرا وقتها، ورغم ذلك لم يمنعها سنها من الالتحاق بصفوف الثورة، كانت تجمع الأدوية والألبسة والمال في وجدة، تمّ الاتصال بها عن طريق عمر غربي رئيس الجمعية .. رفضنّ في البداية، ثم تم قبولهن في 15 جانفي 1957.
ودرّسهم بوصوف تاريخ الجزائر من المقاومات الشعبية والأمير عبد القادر. وبدأ المساءلة الفردية لكل من الإناث والذكور. ورسم لهم صورة سوداء عن الجبل ومخاطره، حتى يختبر عزمهم، فكان يكثر من تكرار كلمات مثل الجوع والعطش والمشي الطويل، كان معهم عبد العزيز بوتفليقة وكان يجيب عن الأسئلة الصعبة التي يعجز في الرد عليها. ثم دربوا عسكريا بطريقة سرية جدا، وكان يرسلهم في مهام في شكل ثنائي.
التقت الكولونيل لطفي، واستقبلهم كمراقبات للوضع في الجبال لإحصاء العتاد والامكانات والوضع العام اقتصاديا واجتماعيا كانوا مكلفين بجمع أكثر معلومات ممكنة من المدائن والقرى التي يمروا بها، وكانوا يعقدوا اجتماعات ويشرحوا الثورة ومؤتمر الصومام في المنازل، كان الكثيرون يستغربون كيف تتنازل فتيات مثقفات ومتعلمات عن حياة الترف للعيش في الجبال.
وقالت المجاهدة شلالي شقيقة خديجة في شهادتها عن رفيقة كفاحها «لقد كنا طالبات مع بعضنا البعض واشتركنا في ذات المسيرة الثورية وشاركنا في الإضراب التاريخي، وكنت أنحدر من أسرة ثورية، حيث كان الأب والأخ مناضلين والبقية كانوا صغارا».
وفي حقيقة الأمر كان التحاقنا بالثورة 1956 وهنا طلبنا الالتحاق بصفوف الجيش لكن المسؤولين بالجيش رفضوا ذلك، وبتاريخ 15 جانفي 1957 وافقوا على ذلك إلى غاية لقائنا بالمركز، حيث كانت لدينا إرادة فولاذية وإيمان قوي وفعلا تلقينا الاستدعاءات التي ورد فيها أنه علينا الامتثال للأوامر في الوقت المحدّد دون تسجيل أي تأخير، حيث حدّدت رحيل رحال وحجاج في حدود الخامسة والنصف، وأما بريسكي وقاديري في حدود الخامسة و45 دقيقة والأختين شلالي وميري على السادسة. وطالب باحترام الوقت بين كل ثنائي واشترط عدم تكديس الأغراض وإحضار الضروريات فقط على غرار معجون وفرشاة الأسنان ومرآة صغيرة والملابس التي نحتاجها».
سقطت خديجة شلالي في ميدان الشرف وسلاحها في يدها شهر جوان 1957، في معركة مع إخوانها من جيش التحرير الوطني ضد الاستعمار، التي دامت من الساعة الثامنة صباحاً إلى الواحدة بعد الزوال بجبل قديرات «مغزى قويدر صمايمي» ببلدية سيدي سفيون ولاية سيدي بلعباس.
حيث شاركت طائرات العدو في هذه المعركة بهدف تحطيم مركز القيادة للمنطقة الخامسة والقضاء على قيادتها من بينهم قائد المنطقة مبارك المدعو «فراج».
أصيبت بجراح بليغة ناجمة عن القصف الوحشي للطيران العسكري، لكن بفضل شجاعتها وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تمكنت من إحراق كل الوثائق التي كانت بحوزتها ورمي سلاحها في بئر حتى لا تقع في أيدي العدو كانت شجاعتها محطة إبهار وتقدير بشهادة الجيش الاستعماري نفسه، الشهيدة شلالي خديجة كان عمرها آنذاك 18 سنة فقط فالمجد والخلود لشهدائنا الابرار.