طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تستطلع حاضر قسنطينة العمراني والخدماتي

راحت ضحية المشاريع الضخمة 

قسنطينة: مفيدة طريفي

إحياء قلب الصخر العتيق... بين واقع التهميش وحلم التغيير

الإهمال، التسيّب والتهميش... مظاهر أضحت تطبع أحياء وشوارع قلب مدينة قسنطينة التي تحولت بعد سنوات توجت خلالها ملكة للجمال وعاصمة الشرق الجزائري إلى فوضى وباقة متنوعة من الأوساخ حولت أحياءها العتيقة إلى كومة من القاذورات والأوساخ وسط طرق وأرصفة مهترئة دفعت بسكان الجسور المعلقة للتساؤل عن أسباب وضع هذه الأحياء ضمن قائمة الانتظار للاستفادة من مشاريع التهيئة الحضارية.

«الشعب” وقفت على الوضعية المخزية التي تتخبط فيها أحياء قلب عاصمة الشرق الجزائري، كما يحلو للبعض تسميتها، والتي مست عددا من الشوارع والأزقة العتيقة، فوضعية البنايات المزرية هي الأخرى وجه آخر لمدينة الجسور المعلقة التي حولتها السنوات إلى مجرد جدران عنوانها الوحيد التشققات والتصدعات الخطيرة وهو ما أدخل قاطنيها في دوامة التخوف من انهيارها عليهم والموت تحت أنقاضها، فبدءا من شارع القصبة العتيق تبدأ مهزلة التسيب واللامبالاة التي يبديها مسؤولو الولاية وصولا إلى شوارع تعود نشأتها إلى الوجود العثماني والفرنسي، فالزائر لهذه الأحياء يلاحظ ومن الوهلة الأولى أنها من أعتق شوارع عاصمة الشرق وأروعها، كونها أسرت بجمالها كل الزوار وأسالت بروعتها حبر أشهر كتاب العالم.
 رغم أنها اختيرت كعاصمة للثقافة العربية لسنة 2015 وحظيت بغلاف مالي ضخم خصص لبرنامج إعادة التهيئة وتحسين المظهر العام لأحياء المدينة العتيقة، إلا أن سياسة البريكولاج عمت على كافة مشاريع التحسين الحضري الخاصة بأحياء المدينة القديمة التي تعيش اليوم إهمالا كبيرا من طرف المجالس البلدية والولائية المتعاقبة عن إدراج هذه الأحياء التاريخية ضمن برامج التحسين الحضري وعمليات إعادة التهيئة، فشوارع قلب المدينة تعيش المأساة تضاف لها معاناة السكان.
 
انزلاقات خطيرة وانعدام الأرصفة ديكور شارع العربي بن مهيدي الجديد

من شارع العربي بن مهيدي المعروف بطريق الجديدة والقديم قدم المدينة بدأنا جولتنا الاستطلاعية التي أعطتنا فرصة للوقوف على وضعية هذا الحي، حيث وقفنا على الحالة المتردية لمشروع ترميم “قهوة النجمة” المشهورة بالشرق الجزائري والتي كانت ملتقى المثقفين والفنانين العرب والأجانب، حيث لم تنته بها إلى حد كتابة هذه الأسطر الأشغال التي بدت لنا ومن الوهلة الأولى أنها متوقفة الأمر الذي ساهم في اهتراء أساساتها وهو الأمر الذي أثار حفيظة سكان المدينة وطالبوا السلطات المعنية بضرورة إكمال عملية الترميم وفتحها في وجه مرتاديها.
 إقتربنا من السكان الذين استنكروا الوضعية المحرجة التي يعيشونها، حيث أكدوا لنا أن مشاكل الشارع الأساسية  تكمن في التسربات المائية الناتجة عن أعطاب دائمة مست قنوات التزود بالمياه الصالحة للشرب، حيث تحولت بفعلها الطرق  إلى برك وأوحال شكلت مع مرور الوقت مستنقعات للمياه القذرة.
حسب السكان هذه الوضعية أثرت سلبا على سلامة البنية التحتية للبنايات، مضيفين أنه رغم الشكاوى التي أودعوها لدى مصالح البلدية إلا أنهم لم يتلقوا أي ردود فضلا عن تحول الطريق إلى حفر ومطبات ناهيك عن اهتراء الأرصفة التي لم تشهد  منذ عقود عمليات تجديد أو تصليح فالأوساخ والقاذورات التي ترمى عشوائيا حولت الشارع العتيق إلى مفرغة عمومية خاصة وأن شارع العربي بن مهيدي يعرف حركة تجارية واسعة فالمحلات التجارية تتواجد على طول الشارع ما يجعله قبلة للزبائن على مدار الساعة وهو الأمر الذي يدعوللخجل، إلى جانب تواجد مراكز جامعية ومؤسسات تربوية وفنادق ما يجعل غياب التهيئة ملحوظا ومستغربا من قبل العام والخاص.
 
رحبة الصوف، الشارع والرصيف... تروي المعاناة وتعيش المأساة

منذ سنوات مضت عاشت هذه الأحياء قصة الاستعمار وكانت شاهدة على بشاعة الظلم والاستغلال، إلا أنها لم تشهد مثل هذا القدر من الإهمال والتسيّب، فالسكان يعيشون سوء أوضاعهم المعيشية واليومية وسط سكنات مهترئة تفتقر لأبسط ضروريات العيش الكريم وتعيش كابوس انهيارها عليهم، دون الحديث عن وضعية الطرق المليئة بالمطبات والحفر، إضافة إلى  تسربات المياه القذرة وسط هذه الأحياء جراء قدم قنوات الصرف الصحي فضلا عن الانتشار الهستيري للأوساخ والقاذورات لتبقى الوضعية المزرية أول ما تلاحظه لدى دخولك لهذه الأخيرة.
كما عبر لنا السكان عن مدى استيائهم من حالة التهميش واللامبالاة، حيث أضحت سكناتهم مجرد أطلال وسكانها الأصليون مجرد أطلال تشاركهم فيها الفئران والثعابين، فالزائر لهذه المناطق الأثرية والتاريخية يلاحظ الأكوام والمخلفات الترابية الناتجة عن انهيار البنايات لاسيما الواقعة بحي “ططاش بلقاسم” المعروف “بالشارع” الوضعية الكارثية التي استاء منها السكان خاصة مع الانتشار الواسع للزواحف، فضلا عن الغبار والأتربة التي أثرت سلبا على صحة العائلات المجاورة للمنازل المنهارة في ظل غياب الجهات المعنية عن رفع الفضلات والأكوام الترابية التي تحولت في غياب القانون والرقابة إلى أوكار آمنة للدعارة وتعاطي المخدرات، بعدما ظلت هذه الأخيرة متراكمة لسنوات عديدة دون أي التفاتة جدية من مسؤولي القطاع ليبقى المواطن الضحية الأولى لسياسة الإقصاء والتهميش.