القول أن العولمة تقضي على تطور البلد والحريات هو جهل حقيقتها. بدون الإندماج الأورو- متوسطي، فإن الجزائر ستكون عرضة لمهب رياح الأسواق مع خطر التهميش المتنامي.
من هنا، فإن الإرساء التدريجي لإقتصاد السوق الإنساني والديمقراطية، والإبتعاد عن الإنشقاق والكسر الإجتماعي، سيسمح بالإنتقال من إقتصاد الريع إلى إقتصاد يرتكز على العمل والإبداع الخلاق، وإسترجاع ضمير مسؤولية الجزائريين الذين يصبحون نشطاء لمصيرهم الذاتي، وهذا هو الحل الوحيد.
_1_ مبدأ الفعالية الإقتصادية
يرتكز هذا المبدأ على أربعة نشاطات متكاملة هي:
_أ_ ضرورة سياسة إقتصادية جديدة يميزها الإبداع والإبتعاد عن إقتصاد يقضي على العلاقات الإجتماعية حتى وإن كان ينتج الثروة، في عالم أين معظم هياكل التأطير ( العائلات، الدين، النقابات ) ضعيفة، تسودها صرامة حقيقية تتميز بـ:
_عملة مستقرة.
_تقليص عجز النفقات العمومية.
_ب_ على السياسة الجديدة أن تأخذ في الحسبان الفضاء الأورو - متوسطي.
ستلعب الجزائر دورا محركا لهذا البناء لأنها بلد محوري. المفاوضات المستقبلية مع المنظمة العالمية للتجارة وإندماجها في منطقة التبادل الحر مع أوروبا تعبر عن المزايا المتبادلة لدول المغرب الغربي في مجموعها.
_ج _ستكون السياسة الجديدة متسمة بالملاءمة والتطابق مع عولمة إقتصاد السوق.
التجارة الدولية ليست لعبة بالقيم المنعدمة. من الممكن أن يكون الإنفتاح مؤلما على المدى القصير، لكنه حتمية التحولات، وسيكون مرحبا على المدى المتوسط والطويل وحاملا للآمال.
_د_ السياسة الإقتصادية للفترة ما بين: 2018_2025_2030، لا بد أن تأخذ في الحسبان التحول الضروري للخدمات العمومية السوقية.
إن نظرة الماضي للتراكم القوي للقطاع العمومي بين المؤسسة العمومية والإحتكار والنشاط المحدود داخل التراب الوطني، عليها أن تترك مكانها لفعالية التسيير ومنافسة الخدمات الجماعية من خلال إدخال المقاييس السوقية لإختيار فعاليتها.
_ 2_ الدولة الضابط والمساواة( العدل )
كما تم التطرق له بكل قوة طوال تحاليلنا، هناك ضرورة الإبتعاد وتجاوز التأثيرات السلبية للسوق. لهذا، فإن دور الضبط الذي تقوم به الدولة وخاصة تدعيم ديناميكية الجماعات المحلية، عليه أن يفضل المبادرات الجماعية ( الجمعيات ) والفردية دون الإحلال محلها والإبتعاد عن الرؤية البيروقراطية.
لهذا، يتعلق الأمر بالتساؤل عن درجة العولمة التي ستمس الخدمة العامة المقدمة، وعن شرعية تعادل الأسعار المستعملة بين الزبائن والمساهمين في الضرائب بالموازاة مع إعادة نشر نشاط الدولة.
العلاقة إذا، بين الدولة والسوق، عليها أن ترتكز على طريقة معاملة براغماتية من خلال تحديد قواعد التحفيز.
لهذا، فإن الدولة الضابط، دون أن تحل محل السوق، عليها بإملاء قواعد اللعبة والعمل على إحترامها من قبل النشطاء الإقتصاديين والإجتماعيين.
تفاديا لكل ديماغوجية ووعود خيالية، فإن المساواة تتطلب تغيير وتحول الخدمات الجماعية، على أساس تهيئة عقد إجتماعي الذي عليه أن يجمع ويقرب بين الفعالية الإقتصادية والمساواة.
صحيح، أن مجتمع السوق يدفع طبيعيا، نحو مجهودات أكثر وديناميكية وتضامن داخل المنافسة دون الإقصاء وإلا مآل هذا المجتمع، التقهقر. لهذا، وبحسب نظرنا، المساواة التي يمكن تفسيرها في كل الحالات بالعدالة، هي شرطا للفعالية الشاملة للإقتصاد. في محيط مثل هذا، من اللازم معرفة بؤر عدم المساواة والعمل على محاربتها ( التي ليست فعالة وغير عادلة ) وإيجاد المستوى المقبول لبعض عدم المساواة الضرورية لضمان ديناميكية الإقتصاد.
يفترض هذا، التفكير حول الحد الأمثل الذي يتمناه المجتمع وحول المعاملة بطريقة الحالة بحالة بحسب الميدان المدروس، ومن خلال الإعتراف المتبادل للديون الإجتماعية والمستحقات التي نتبادلها والتي يتم توزيعها من خلال معالجة عادلة للواجبات والحقوق.
إذا، مبادئ العدالة الإجتماعية داخل مجتمع مفتوح، عليها أن تكون موضوع التسيير اللامركزي الذي يبنى على الثقة والشراكة والحوار والعقد، إن أردنا أن يتجسد هذا، لا يعني ذلك أن المسألة بسيطة للحصول على خدمات ليس لها قيمة ولكن، الأمر يتعلق بتطبيق المساواة من خلال التمييز الإيجابي الذي يفضل تدعيم العلاقات المهنية، وإعادة بعث المشاورات الجماعية، فروع بفروع، من خلال الطرق الجديدة للعمل التي ترتكز على الإبداع المستمر.
يتعلق الأمر بتفضيل الهياكل الإجتماعية الجديدة للدفع بالتحول إلى الأمام وفي نفس الإتجاه بالتقاليد، التي هي أكثر تحفظية.
من جهة أخرى، إن إصلاح المنظومة الجبائية، هي في صميم العدل والمساواة، ولهذا، عليها أن تشكل الأولوية. ولكن، الضريبة التي يعبر تسديدها عن نشاط مواطني، يمكنها أن تقتل الضريبة في حد ذاتها، إذا حصل وأن قضت على النشاطات النافعة، وذلك منحا لتغيير عملية توزيع الموارد المحصل عليها، خاصة ما تعلق بعرض الرأسمال والعمل وطلب السلع والخدمات. هذا الإصلاح عليه أن يجد الحلول لإقتطاع الموارد دون الإخلال بالآليات التي تحقق الحد الإقتصادي الأمثل.
كما أن من اللازم إرساء جباية حسنة تتمحور حول الإقتطاعات الضعيفة التدريجية داخل أواني واسعة لا توثق بالضرورة خاصية إعادة توزيع الموارد.
لهذا، علينا بالجمع والمزج في هذا للإطار، المساواة الأفقية المبنية على مبدأ_لكل دخل مساوي تقابله ضريبة متساوية_ والمساواة العمومية التي تقود لدفع المعدل الحقيقي للضريبة كلما إرتفع الدخل. إن الهدف هو التقليص التدريجي للضريبة على الدخل دون المساس لخاصياته التي تتضمن إعادة توزيع المداخيل.
_3_ أولوية الأولويات: القضاء على البطالة والفقر:
لا يمكن لأمة أن توزع إلا ما تم إنتاجه في السابق، إذا أرادت أن تتفادى الإنزلاق الإقتصادي والإجتماعي. أيضا، إذا كان الهدف هو القضاء على البطالة والفقر من خلال إعتماد سياسات فرعية في إطار المزايا العالمية المتبادلة، والتي حلّلناها سابقا، فإن،
النشاط الأساسي يتضمن إدخال المبادرة الإقتصادية للجميع وإبراز طاقات المقاولة التي تتميز بأخذ الأخطار الصناعية والإقتصادية لهدف تنمية القيمة المضافة ومن ثم التنمية الإقتصادية.
إن تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عليه أن يكون من الأولويات وذلك من خلال إعادة النظر في تمويل الضمان الإجتماعي الذي ما زال في غالبيته على الإشتراكات الإجتماعية وهضم الإنتاجية على حساب التشغيل والأجور المباشرة.
كما يجب التركيز على تخفيض الإشتراكات على المداخيل الضعيفة بهدف تقليص التكاليف النسبية للتشغيل غير المؤهل. لهذا، ومن خلال تخفيف الأعباء، من اللازم قياس سعر هذا المجهود لإعادة توزيع النشاطات المختارة للتضامن الوطني لتفادي عدم تشجيع النشاطات الإقتصادية.
_4_ ضرورة التحول الآلي المتكفلة به القوى الإجتماعية الجديدة
كل مشروع مجتمع هو بالضرورة بكفالة القوى الإجتماعية. إن التعريف الواضح لهذه العناصر، يرجعنا لتحليل الوجود القوي للأثقال الإجتماعية والثقافية وكل الإختلالات الممكن ملاحظتها داخل أجهزة الدولة.
يتطلب هذا التعريف:
_ الحصول على رؤية واضحة أو قراءة كبيرة لإستراتيجيات تفادي وتجاوز تدابير
الإخفاق المنتظرة.
_ العمل على توضيح الرؤية لمعرفة القوات الإجتماعية والسياسية التي تعمل على تحمل هذه الإستراتيجيات وتقوم بتنفيدها.
_ تقديم بعض الفرضيات التي تسمح بتفسير لماذا هؤلاء الذين يرتدون، بوقاحة وبدون خوف من العقاب، ثياب الحداثة، والذين يرجعون لخطاب مخادع ( سخرية ) حول التناوب، وحقوق الإنسان والحريات، ويدافعون على الإبقاء على الحال للبلد.
وتمكنوا منذ زمن بعيد، أن يعارضوا الإصلاحات التي تعتبر من قبل الجميع، أنها ضرورية ومفيدة.
_ في النهاية، تحضير إستراتيجية للمواجهة بأكثر فعالية. هذه الإستراتيجية ستكون قادرة على ضمان النجاح الكلي للإصلاحات الضرورية للبلد والتي تضع الجزائر في منصب يتلاءم بنجاح مع حتميات العولمة.
إن الإندماج في الإقتصاد العالمي كهدف إستراتيجي يتطلب عددا من الإجراءات جد ضرورية تسمح بإستدراك التأخر المتراكم.
لقد طرحنا، كفريضة عمل، مسألة تسلسل الأولويات، فيما يتعلق بالترتيب الزمني للنشاطات الملتزم بها، في حالة ما إذا، القطاعات المهيكلة، أي الأكثر حساسية، تتطلب معالجة ذات أسبقية لسبب من الأسباب التالية:
_ حالة الإستعجال التي تتضمنها.
_ التداخل الموجود بين مختلف القطاعات وترابط قنوات المصالح التي تصّب فيها وتنشر إستراتيجيات مشتركة للمواجهة ( المقاومة ) والرد.
لهذا، فإن المعالجة المباشرة والصحيحة والمنسقة لنشاطات الإصلاحات المراد القيام بها تكون إستراتيجية لطريقة عمل مناسبة ومنتجة. أيضا، الإصلاحات المتبعة و/أو الملتزمة تنبع من جوانب جد حساسة، أو جد هامة، من تنظيم وتسيير البلد وعلاقاته مع المحيط الجهوي والدولي.
** على المستوى الداخلي، من اللازم الإلتزام بإصلاحات سياسية، إقتصادية وإجتماعية حقيقية، إصلاحات تمس حتميا:
_ النظام السياسي، المركز العصبي لمقاولة التحولات والإنفتاح الإقتصادي.
_ إدماج المحيط غير الرسمي من خلال آليات شفافة، قاعدة بناء دولة القانون.
_ قطاع المحروقات، منبع الريع وموضوع كل الأطماع.
_ الزراعة والسياسة الجديدة، لتسيير الماء.
_ النظام الجمركي، الجبائي المالي والبنكي... المركز الجديد لتوزيع الريع.
_ النظام التربوي، مركز تحضير ونشر الثقافة والإيديولوجية المناهضة لتحول وتحديث البلد.
_ السرعة في إعادة هيكلة الإقتصاد من خلال رفع الإحتكار وتدعيم الشراكة والخوصصة. هذه المبادئ هي متكاملة ولكن لا تعوّض بعضها البعض.
_ التسيير الجديد للإستراتيجيات الإجتماعية وإرساء آليات جديدة للضبط الإجتماعي من خلال إعادة النظر في صناديق التقاعد والضمان الإجتماعي، الإعانات الموجهة التي من اللازم رصدها في ميزانية الدولة ولا على مستوى المؤسسات.
_ الأخذ في الحسبان المحيط ونوعية المعيشة.
على المستوى الدولي، إن العولمة في شكلها الجديد أو المعاصر، ترجعنا لا سيما إلى التداخلات الدولية ذات الطابع الإقتصادي بل أيضا للتداخلات ذات الطابع الديني والثقافي والسياسي والإيديولوجي والعسكري.
لهذا، فإن كل إستراتيجية ملائمة، أو إجابة لهذه الظاهرة، عليها أن تشمل كل هذه المكونات وتفاعلها.
وفيما يخص العلاقات الإقتصادية الدولية، فإن نشاط بلدنا، عليه أن يندمج في الإطار الحتمي للسياسة المشتركة للدول الصناعية، بإتباع السياسة المبنية كإجابة للأزمات الإقتصادية والمالية التي عرفتها الدول المتطورة.
الخلاصة:
في ختام هذا التحليل الوجيز، يتبين لنا، وبكل وضوح، بأن المرحلة القادمة: 2018_2025_2030 ستعرف ظروفا ملائمة إذا ما تم تعميق الإصلاحات، لا سيما وأننا نعلم أن هناك تحديات ذات أهمية كبرى تنتظر بلادنا. إن التحولات التي حدثت والتي ستحدث في المستقبل، لا بد أن تجد تجسيدها في تعميق الحكم الراشد، الديمقراطية وممارسة إقتصاد السوق. لا بد من إنعاش الإقتصاد الوطني وتهيئة المحيط اللائق والملائم لممارسة الأعمال.
هذه التحديات كلها تنتظر بلادنا خلال الفترة: 2018_2025_2030.
ولهذا، فلا بد من بناء جبهة داخلية متينة ودائمة تخدم الإصلاحات التي أصبحت جد ضرورية للدفع بإقتصادنا إلى الأمام لتطويره، والإنتقال من إقتصاد الريع إلى إقتصاد السوق منعشا ومتفتحا.
إذن، فأنا أعتقد أن بلادنا بحاجة إلى أن ينظر إليها بعين إنتقادية بناءة وعادلة، هي بحاجة إلى النظر إلى وضعها الحالي، والإنجازات التي تمت، والتي ستتم مستقبلا.
وطننا بحاجة إلى إسترجاع وجمع كل أبنائه حول مشروع واحد، وطموح واحد، وأمل واحد. وأملنا هو، أن تنعم الجزائر بالرقي والإزدهار.