مازالت ذكرى جرائم فرنسا الاستعمارية تنخر إلى اليوم جسد رقان بأدرار وإينكر بتمنراست منذ 58 سنة مضت عندما قررت آنذاك إجراء التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، سنوات مضت إلا أنها تركت آثارها عالقة في الأذهان وإشعاعاتها في كل مكان.
وتعود الذاكرة بنا ككل سنة إلى تلك الشواهد على فظاعة الجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر والتي خلفتها 17 تجربة أجراها فرنسيون ما بين 13 فيفري 1960 و16 نوفمبر 1966 في الصحراء الكبرى في الجزائر من بينها 13 تفجيرا أرضيا و3 تفجيرات جوية، بما يعادل 60 كيلو طن أي بأضعاف مضاعفة لقنبلة هيروشيما حسب المختصين، تسببت في إبادة 60 ألف جزائري بفعل الآثار المترتبة عن الاشعاعات وتوفي منهم ٤٢ ألف شخص والحاق وأضرار كبيرة مست البيئة والإنسان والحيوان ولم تسلم منها حتى النباتات، في الوقت الذي مازالت تعيش آلاف العائلات في مناخ ملوث ناجم عن نفايات الإشعاعات النووية، هذا فضلا عن مخاطر بيئية تمتد على مساحة 600 كلم مربع.
فمحرقة فرنسا النووية في الجزائر والتي تم تسجيلها صوتا وصورة في بث مباشر من رقان إلى باريس كانت بتنفيذ السلطات الاستعمارية آنذاك لأول عملية تفجير نووي بلغت طاقته 60 كيلو طن برقان جنوب البلاد وأطلق عليها تسمية اليربوع الأزرق تيمنا بأول لون من ألوان العلم الفرنسي وقد جعلت فرنسا من خلال جريمتها الإبادية والهمجية واللاإنسانية تستخدم الآلاف من أبناء منطقة رقان إلى جانب مجاهدين وأسرى جزائريين فئرانا لتجاربها النووية تحديدا في نقطة التفجير بحموديا التي تبعد بحوالي 65 كلم عن مدينة رقان، وفي كل تفجيرات الجيش الفرنسي التي حملت جميعها وعلى التوالي مسميات اليربوع «الأزرق، الأبيض، الأحمر، الأخضر»، كان يتم ربط الضحايا لساعات مبكرة قبل كل عملية تفجير ومن أخطر ما كشف عنه أحد قدماء الجنود الفرنسيين الذي كان حاضرا بموقع تفجير أول قنبلة نووية فرنسية في صحراء الجزائر هو استعمال فرنسا للجزائريين في التجارب النووية دون أن تقوم أصلا بأرشفة أو حفظ هويات الضحايا خارقة بذلك كل قواعد الحرب وحقوق الإنسان.
وتسببت التفجيرات بأضرار كبيرة على سكان المنطقة مخلفة آلاف الوفيات والإصابات، كما أن قطر المنطقة المحيطة بكل من منطقة حموديا بأدرار وإينكر بتمنراست التي كانت مسرحا لبشاعة جرائم الحرب الفرنسية في الجزائر لا يزال مشعا بصفة حادة نظرا لأن المساحات التي استهدفها الإشعاع كانت شاسعة وأكبر مما كان متوقعا وهو ما دفع بالسلطات إلى حظر الدخول إليها، حيث يكشف تقرير خبرة أعدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سنة 1999 والذي نشر في عام 2005 أن المناطق المحيطة بالنقاط الصفر لرقان من بينها 40 منطقة بقرية حموديا وإينكر مازالت لحد الآن متضررة بسبب الإشعاعات المعتبرة، فضلا عن أن الجيش الفرنسي غادر قواعده في الصحراء الجزائرية تاركا آلاف الأطنان والمعدات المشعة تحت الرمال لتتواصل آثار الجريمة بأشكالها المتعددة على مر السنين.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هذه الجريمة الشنعاء التي أتت على البشر والحجر وأخذت معها ربيع رقان وإينكر إلى الأبد بفعل التلوث الإشعاعي المنتشر والذي نجم عنه العديد من الآثار السلبية على الصحة والبيئة معا على غرار انتشار أمراض العيون وتراجع الولادات والتشوهات الخلقية، عقم الأشجار جراء الإشعاعات، زوال مظهر فصل الربيع في هذه المناطق التي خضعت للتجارب وتراجع عمر الإبل إلى أقل من 20 سنة واختفاء عائلات نباتية بأسرها كما تسببت سموم الإشعاعات في تلويث عموم الجيوب المائية، هي مظاهر ستبقى تأثراتها لوقت طويل ويمكنها التنقل إلى الأجيال القادمة حسب الخبراء.
رغم ذلك مازالت فرنسا متمسكة بموقفها في تعويض المتضررين عبر منح تعويضات مادية إلى الضحايا الذين أصابتهم أمراض إثر تواجدهم حينها في مناطق التجارب النووية في حين أكد رئيس جمعية 13 فيفري 1960 في حديث لـ»الشعب» عمر الهامل أن ضحايا التجارب النووية في الجزائر لا يريدون الدخول في متاهات التعويض والتي تخضع للعديد من الإجراءات التي لا تخدم المتضررين موضحا أن الضحايا استبشروا خيرا بعد صدور قانون مورا في 5 جانفي 2010 وظنوا أنه سيتم تعويضهم بعد معاناتهم الطويلة إلا أنهم تفاجئوا بالعديد من الإجراءات التي لن تزيد إلا من عمر مأساتهم حيث أنهم مطالبون بتقديم ملفاتهم شخصيا إلى الجهات المعنية في فرنسا يشمل شهادات تثبت وجودهم في المنطقة خلال فترة التفجيرات النووية الممتدة ما بين 1960 و1966 بالإضافة إلى شهادات طبية في حين لا يوجد في المنطقة مختص في الأمراض الناجمة عن الإشعاعات النووية، هذا فضلا عن أن المتضررين يرفضون التعويض المادي بالأساس كما أن الضحايا ليسوا فقط الذين كانوا متواجدين فترة التفجيرات لأن التفجيرات كما ذكر كانت مؤقتة إلا أنها خلفت آلاما دائمة.
وأكد نفس المتحدث أن فرنسا إذا كانت جادة في سعيها لإيجاد حلول فعلية فعليها بمعالجة الوضع نهائيا عبر تنظيف المنطقة من النفايات النووية التي تركها الجيش الفرنسي آنذاك للحد من آثار الإشعاع النووي في المنطقة التي أضحت غير قابلة للحياة بالإضافة إلى تمويل إنشاء منشآت صحية ومستشفيات مختصة في علاج الأورام السرطانية التي تسببت فيها الإشعاعات المنتشرة في هذه المناطق بالإضافة إلى التكفل بالمرضى الذين في حاجة إلى العلاج خارج الوطن.