يعد المرحوم الأستاذ الجليل حسين الفضيل بن محمد السعيد بن فضيل المعروف باسم (الشيخ الفضيل الورتلاني)، من خيرة أعلام الجزائر، ساهم في توعية الشباب ودعوتهم للالتحاق بالدروس العلمية، كما أسمع صوت الجزائر العربية المسلمة للعالم.
ولد العلامة بتاريخ 6 فبراير عام 1900، بقرية (آنو) بلدية بني ورتلان دائرة بني ورتلان ولاية سطيف، وينحدر من أسرة عريقة ينتمي إلى سلالة الأشراف، وقد نشأ وترعرع في مسقط رأسه وبها حفظ القرآن الكريم، وزاول دراسته الإبتدائية وتلقى فيها مبادئ العلوم على مشائخ القرية نذكر منهم على سبيل المثال العلامة الفقيه المعروف الشيخ السعيد البهلولي وغيره، كما تلقى منذ طفولته المبكرة في أحضان أسرته تربية إسلامية أورثته الحفاظ على تعاليم الدين الحنيف والتشبث بأهدافه، ونشأ على احترام كرم الأخلاق والمثل العليا، والقيم الرفيعة، وجده الأعلى (جد والده) المباشر لأبيه هو العلامة الرحالة سيدي الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المعروفة باسم (رحلة الورتلاني).
في سنة 1928م انتقل إلى مدينة قسنطينة لمزاولة تعليمه الثانوي، على يدّ الإمام عبد الحميد بن باديس، وبعد تخرجه مباشرة تولى التدريس بالجمعية الخيرية التي كانت نواة التربية والتعليم، وقد تخرّج على يده عدد كبير من الطلبة لا يزالون يعترفون له بالفضل والجميل، وأحدث تطورا فكريا لدى طلابه، ونال بذلك رضا أستاذه بن باديس، لما بذله من جهود معتبرة في خدمة العلم وما يمتاز به من حيوية ونشاط منقطع النظير، بحيث أعجب به الشيخ بن باديس وأخذ يصطحبه معه أينما ذهب وأينما حل وارتحل، خاصة في الجولات التفقدية التي كان يقوم بها بين الفينة والأخرى عبر البلاد.
لازم الفضيل الورتلاني أستاذه بن باديس، عدة سنوات كلها عامرة بالعلم والعمل المثمر البناء، وحضر اجتماعات جمعية العلماء العامة والخاصة، فاكتسب منها الصراحة في الرأي، والجرأة في النقد البنّاء والاحترام للمبادئ لا للأشخاص، كل هذه الخصال الممتازة في شخص الورتلاني هي التي جعلته يكون محبوبا وأشد ارتباطا بأستاذه بن باديس ويوليه عنايته ويعتمده في المهام الكثيرة.
لعب العلامة أدوارا إيجابية في ترجيح ميزان القوة لجانب الحركة الإصلاحية على اختلاف أهدافها وتعدّد مجالاته، وجد ضالته في مهمة تمثيل مجلة (الشهاب) التي كانت تصدر في ذلك العهد بمدينة قسنطينة، وقد كان ينشر فيها العديد من البحوث والمقالات القيمة التي يعالج فيها قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية، وطاف أطراف البلاد متنقلا باسمها وتكثير أنصارها وتوضيح خطتها وغايتها، ويدعو الشباب للالتحاق بالدروس العلمية بجامع سيدي الأخضر بقسنطينة.
وفي سنة 1936 م، انتدبته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للقيام بنشر مبادئها والدعوة الإصلاحية بفرنسا وذلك قصد توعية العمال الجزائريين المغتربين بأوروبا، بحيث تمكن في ظرف سنتين ونيف من إحداث ما يزيد عن عدة مراكز للدعوة الإسلامية والربط بين الجاليات العربية الإسلامية من جهة، وإسماع صوت الجزائر العربية المسلمة للعالمين الشرقي الإسلامي والغربي الأوروبي من جهة أخرى.
ظلّ الفضيل الورتلاني، يعمل في باريس بجد وحيوية ونشاط ويؤدي رسالة جمعية العلماء بكل ما أوتي من قوة، وشجاعة نادرة، تمكن من الاتصال بكثير من أعضاء وممثلي الجاليات الشرقية العربية من مختلف الأقطار العربية.
في أواخر سنة 1940، أصبح الفضيل الورتلاني على يقين من أن السلطات الاستعمارية الفرنسية صممت، على جعل حدّ لنشاطه السياسي بعد أن دأبت على تعقب تحركاته تمهيدا لإلقاء القبض عليه، لذلك عقد العزم على السفر إلى مصر، خاصة بعد أن لاحت في الأفق السياسي الغربي بوادر حرب عالمية ثانية، فغادر العاصمة الفرنسية وهناك التحق بالأزهر الشريف، حيث تابع فيه دراسته العليا إلى أن نال الشهادة العالمية بكلية أصول الدين والشريعة الإسلامية.
كان على صِلات قوية بكثير من أعلام الإصلاح الإسلامي في المشرق العربي
في سنة 1949، أسس مكتبا بالقاهرة يحمل اسم (مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) الذي كان ممثلا له، وقد قام بعدة اتصالات لدى كثير من الدول العربية الشقيقة وإقناعها بضرورة مدّ يد العون والمساعدة لإخوانهم الطلبة الجزائريين، الذين سيأتون من الجزائر لاستكمال دراستهم وإتمام معلوماتهم العلمية بكليات ومعاهد الشرق، فلبت الدعوة واستجابت للنداء وتمّ كل ذلك في ظروف جدّ حسنة، فتوالت البعثات العلمية تلو الأخرى من الجزائر نحو الأقطار العربية الشقيقة، وذلك تحت إشراف مكتب جمعية العلماء.
كما أن للفضيل الورتلاني - رحمه الله - في المشرق العربي أعمال جليلة أخرى، منها: انخراطه في كثير من المنظمات الإسلامية التي كان هو على صلة بها في تلك الفترة بالذات، وكتاباته في أغلب الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك في مصر ولها طابع إسلامي عربي تحرري. له كتاب الجزائر الثائرة طبع سنة 1956 من طرف جمعية عبد عبد الرحمن اللبنانية، واعيد طبعه سنة 1963.
كان الفضيل الورتلاني على، صلات قوية ووثيقة بكثير من أعلام الإصلاح الإسلامي في المشرق العربي منهم أمير شكيب أرسلان، ومحي الدين الخطيب، ورشيد رضا، وجمال عبد الناصر، ومحمد مصدق، وعميد الأدب العربي طه حسين والعقاد وغيرهم، وهدفه من ذلك توثيق روح الأخوة بين أبناء الوطن الواحد، ومحاولة ربط الجزائريين بتيارات الفكر العربي المعاصر، ومن أهم أعماله الجليلة التي قام بها المشرق العربي مساهمته في تأسيس بعض الهيئات والمنظمات السياسية التي سعى في تكوينها وأسهم في نشاطها.
عند اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، سارع الشيخ الورتلاني إلى توجيه نداءات إلى جميع الأحرار في العالم العربي الإسلامي، ومندّدا في نفس الوقت بأبشع الجرائم الوحشية التي يرتكبها الغلاة الاستعماريين في الجزائر، وقد كان على صلة بكبار قادة جبهة التحرير الوطني مجددين العهد على درب مسيرة النضال حتى النصر.