أرجع الأستاذ الجامعي ورئيس المجلس الشعبي البلدي لسيدي علي بوسدي بسيدي بلعباس بن عفان خالد سبب اتّساع الهوّة بين المثقف والسياسة إلى المثقّفين أنفسهم ممّن ساهموا في تعميق الأزمة بعد تخليهم عن أدوارهم في تمثيل الضمير الجماعي وتحقيق الامن الإجتماعي. قال ذات المتحدّث لـ «الشعب» إنّ الوضع الحالي يشهد أزمة حقيقية في علاقة المثقف بالسياق السياسي، فالمتأمّل في الصّناعات السياسية بمختلف حقباتها يدرك مقدار الهوّة السّحيقة بين صنّاع القرار في بلادنا وبين أصحاب الثّقافة والمثقّفين، فكل يسبح في واديه ممّا أدّى إلى اختلالات في الفهم والتواصل بين الطرفين، فبينما ينادي مثقفو النقد بالتغيير، يقابلهم صانعو القرار بالتهميش ضاربين آراءهم عرض الحائط.
من بين الأسباب التي أدّت إلى هذا الشّرخ، يضيف الأستاذ احتكار القرار لصالح أطراف واحدة، فالقرار لا يخرج من دائرة السلطة ولا دخل للمثقفين فيه، فأصحاب القرار لا يعترفون بقدرة المثقفين على دراسة القرار أو النظام، وبالتالي تهميشهم وبدورهم يتجاهل المثقفون قدرة أصحاب القرار على اتخاذ ما هو صائب، بالتالي يسقط الاعتراف بقدرة الآخر ما يتسبّب في اتساع الهوة بين الطرفين، فضلا عن انعدام حوار بين صناع القرار والمثقفين، وهنا يتجسّد التّهميش الحقيقي لدور الجامعة وللبحوث العلمية عموما.
وأضاف الأستاذ بن عفان أن السياسة ليست السعي نحو الوصول الحكم، ولكنها العمل من أجل تهذيب الحياة السياسية وخدمة المصلحة العليا وتقديم الأفكار، إيجاد الحلول والبدائل التي تفيد الأمة حاضرا ومستقبلا، ومن ثمة المساهمة في صنع القرار، فالمثقف ومن خلال إطلاعه على القانون والمصلحة العامة وطرح البدائل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بما يتماشى ومصلحة الوطن مع الإلمام بالأحداث التي تجري في النسق الدولي والإقليمي كثيرا ما يصطدم بأصحاب المصالح الضيقة، الذين يستغلون أموالهم ونفوذهم لتحييد المثقفين وذوي الكفاءات، ما يؤدي بهؤلاء إلى العزوف نتيجة الشعور بالتهميش والإقصاء، والواقع يكشف عن العديد من التجارب لمثقفين عزفوا عن الممارسة السياسية بمجرد إسقاطهم من القوائم الانتخابية فاسحين المجال أمام الآخرين للتغلغل في دواليب السلطة والاكتفاء فقط بالبحث العلمي والتدريس في الجامعات أو تأليف الكتب، وهو ما يتنافى والحس الوعي الثقافي الذي يفرض على المثقف المقاومة والنضال والإسهام بأفكاره في بناء المجتمع وتغيير ما يتطلب التغيير.
التّهميش يقع على المثقّفين الذين ابتعدوا عن صناعة القرار بإراداتهم الفردية
مؤكّدا في الوقت ذاته أنّ جزءا كبيرا من المسؤولية في التهميش يقع على المثقفين الذين ابتعدوا عن صناعة القرار بإراداتهم الفردية، حيث صنف في هذا الصدد المثقفين إلى فئة المثقفين الذين تخلوا عن ضمير الجماعة واكتفوا بالمهمات الإستشارية، مثقفو الأحزاب ممّن فقدوا مصداقية كلمتهم وذابوا في مواقف الحزب التي من المفروض أن تذوب هي فيهم بأفكارهم وقناعاتهم اتي تخدم الضمير الجماعي،ناهيك عن المثقف الذي استسلم للعزلة والإنطواء أمام شعوره بالإحباط من عدم تأثيره على التغيير.
وعن تجربته السياسية أكد الأستاذ أن نضاله السياسي في حزب جبهة الوطنية الجزائرية لأزيد من 13 سنة وإيمانه بالتغيير، وإلحاح القاعدة الشعبية لمنطقته جعله يفكر في ولوج الإنتخابات التي كسب فيها ثقة أبناء بلديته، الذين رأو فيه الشخص المناسب لتسيير مجلسهم بالنظر إلى مستواه الثقافي والعلمي والإضافات التي سيعمل على تجسيدها من خلال إيجاد البدائل وخلق حوار شامل وفعال ، وأضاف أن الممارسة السياسية وعلى إختلاف مستوياتها من القاعدة إلى الهرم، تتطلب مهارات عالية لمواجهة العراقيل والصمود في وجه المقاومين، كما تتطلب أيضا أخلاقا أضحت ميزة غائبة لدى الكثيرين، لأن المثقف والنخبوي يعتبر منورا لعقول العامة في إحداث التغيير والتطوير، فالمثقف عموما غير مرحّب به داخل دواليب الحكم والسلطة، وعليه بأداء دوره على أكمل وجه لإرساء الأمن الإجتماعي وللمشاركة السياسية الفعّالة والمساهمة في صناعة القرارات.