دعا هادف عبد الرحمان رئيس غرفة الصناعة والتجارة لولاية المدية إلى اعتماد احترافيين للنهوض بالسياحة الدينية، مشيرا إلى ثقلها الاقتصادي محليا ووطنيا، غير أنه سجّل في حوار أدلى به لدى زيارته لمقرّ الجريدة، وجود نقائص تتطلّب معالجة استعجالية مثل المرافق والمنشآت والتأطير البشري النوعي. كما أبرز دور الجماعات المحلية في بعث هذا النشاط الذي يستقطب سياحا من الجزائر والخارج، خاصة من أتباع ومريدي الزوايا الشهيرة. كما يتناول في هذا الحوار مسائل اقتصادية من مناخ الاستثمار في ضوء تقرير صادر عن هيئة «كوفاس» الفرنسية إلى التصدير مرورا بالدور المطلوب من غرف التجارة والصناعة في هذا الظرف بالذات.
الشعب: ما هي مكانة السياحة عامة والدينية خاصة في المشهد الاقتصادي العام في وقت يراهن فيه على قطاعات عديدة في إحداث النمو المطلوب باستثمارات قليلة لكن بكثير من المبادرة؟
هادف عبد الرحمان: يكتسي قطاع السياحة أهمية قصوى خاصة في هذا الظرف الاقتصادي المتميز بالانتقال إلى اقتصاد إنتاجي ومتنوع. لقد اختير من بين خمسة قطاعات معول عليها لتجاوز الأزمة ومن ثمّة النهوض بالسياحة عامة ساحلية، جبلية، صحراوية وكذا السياحة الدينية من خلال تثمين كافة المعالم الدينية عبر التراب الوطني وإدراجها في حلقات مسار تنمية السياحة بالمعنى الاقتصادي.
حقيقة لدينا قدرات هائلة في هذا المجال وتحرص غرف التجارة والصناعة كهيئة وفضاء للتنشيط الاقتصادي على إيلاء أهمية لهذه الشعبة. في هذا الإطار تندرج مبادرة غرفة التجارة والصناعة «الزيبان» لولاية بسكرة بتنظيم قريبا تظاهرة دولية تخصص للتعريف بأحد المعالم الدينية الكبرى بمنطقة بسكرة وتحويلها إلى مقصد سياحي، وذلك بتأسيس مسالك محددة يمكن للضيوف الوافدين في الربيع القادم زيارة التاريخ والاطلاع على معالم تاريخية هامة مع بعض الزوايا والأضرحة، فيكونوا أول سفراء لهذا النوع من السياحة.
إن منطقة كهذه هي من جملة مناطق أخرى في البلاد على مستوى الجنوب الغربي حول بشار يمكنها أن تساهم في تأسيس هذا التوجه الجديد لاستقطاب شريحة من السياح محليين ومن مختلف جهات العالم يكون لهم ثقل اقتصادي. ومن أجل هذا نعمل على جلب السياح من كافة جهات الكون من خلال اعتماد قواعد احترافية على مستوى وكالات السياحة والأسفار التي يمكنها أن تحقق نجاحا إذا عرفت تسويق هذا المنتوج المغيّب والذي يحقّق عوائد معتبرة. غير أنني أشير بالمناسبة إلى بعض جوانب الضعف التي تتطلب معالجة ويتعلّق الأمر بقلة المنشآت والمرافق، ضعف قنوات الاتصال والتسويق ومسألة الكفاءة في السياحة (الموارد البشرية) خاصة وأن الشعبة حساسة.
تقتضي سوق السياحة الدينية الحرص من المتدخلين فيها على إقامة توازن بين مساحة الجانب الديني والقافي ومساحة الفعل السياحي والاقتصادي، كيف ذلك، وما موقع الجماعات المحلية في هذا المسعى، خاصة في ظرف البحث عن مصادر دخل جديدة؟
حقيقة يتطلّب الأمر بناء تلك المعادلة التي توازن بين الجانب الديني والثقافي من جهة والفعل السياحي والاقتصادي من جهة أخرى، وليس من بديل عن الاحترافية لضمان هذا قصد إعطاء بعد سياحي للحقل الديني الشامل، وهو ما يقع على عاتق الخبراء لإرساء مسار صحيح لا مجال فيه لأي ارتجال. وعليه يجب الحرص على التكوين من أجل ضمان التوازن المطلوب في حقل حسّاس.
وبطبيعة الحال للجماعات المحلية دور متقدم في تثمين قدرات المناطق والنواحي قصد تحصيل موارد مالية إضافية، علما أن التوجه اليوم يدفع إلى إشراك كافة المتدخلين خاصة الجماعات المحلية في بعث الديناميكية التنموية، انطلاقا من عدة اعتبارات من بينها أن البلديات والولايات مثلا على درجة من الدراية والمعرفة لواقع المقاصد الدينية وهي مؤهلة لتثمين المخزون السياحي والثقافي الذي يكتسي مردودا اقتصاديا بدون استثمارات ثقيلة ومرهقة بل بقليل من المال ممزوجا بالتكوين والدعاية الناجعة يمكن تحقيق المبتغى.
بالمناسبة ومن موقعكم كرئيس لغرفة التجارة والصناعة، أصدرت هيئة تأمين القروض الفرنسية «كوفاس» قبل أيام تقريرا سلبيا حول مناخ الاستثمار في الجزائر، ما هي قراءتكم للموضوع؟
توجد الجزائر في مرتبة لا تحسد عليها، غير أن هناك تحسن في عدة مؤشرات وإن كان ليس بالسرعة المطلوبة. وطبيعي بالنسبة للهيئات الأجنبية أن يسعى كل طرف لخدمة مصالحه، وتابعنا كيف نظمت فرنسا الأسبوع الأخير لقاءً حول جاذبية الاقتصاد الفرنسي بمشاركة رجال أعمال أجانب من بينهم رجال أعمال جزائريين ومن ثمّة أمر طبيعي أن نطلع على مثل ذلك التقرير الذي يكتسي طابعا غير موضوعي في جوانب عديدة من مضمونه.
بالنسبة لنا، فإننا نتطلّع إلى مواصلة توسيع نطاق تحسين مناخ الاستثمار ليستوعب التوجهات الجديدة للاقتصاد الوطني، ولذلك ننتظر تعزيز عصرنة الإدارة بتوسيع مجال الرّقمنة وتبسيط الإجراءات أكثر، والحدّ من تدخل كافة القطاعات في فعل استثماري يتعلّق بمشروع قطاع معين، وإنما كل قطاع معني يتكفل بمشاريعه من البداية إلى النهاية. إننا نتكلم كثيرا عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة غير انني اعتقد أنه من الضروري تصحيح المقاربة باعتماد خيار تهيئة المناطق الصناعية وانجاز منشآتها القاعدية من طرف الدولة، فيما تتكفل المؤسسات بتركيب عتاد الإنتاج وتجهيزات العمل مع إدراج هذا الانشغال ضمن أولويات الجماعات المحلية كون عبر العامل تجد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة البنية التحتية جاهزة لتشرع في العمل مباشرة بدل أن تضيع الجهود والموارد في متاهات بيروقراطية رخصة البناء وجلب الهاتف وكل ما يعطل المشروع الاستثماري.
في كل هذا المشهد من رصد للانشغالات وتطلّع للمستقبل، ما ذا يمكن لغرف التجارة القيام به لمرافقة المؤسسة الجزائرية في التعامل مع السوق وخاصة التصدير إلى الخارج، ماذا عن قدرة التفاوض للمتعامل الجزائري؟
سجل منذ ثلاث أو أربع سنوات تحرّك ملموس لغرف التجارة والصناعة في عدد من الولايات، مما مكنّها من اكتساب الاعتراف من السلطات العمومية محليا، لكن لا يزال الطريق طويلا كون غرف التجارة والصناعة مدعوة للعب دور هام في كل ما يتعلّق بتنشيط المنظومة الاقتصادية ومرافقة المؤسسات جميعها عمومية وخاصة وتشمل المرافقة توفير المعلومة الدقيقة والتكوين والاستشارة. والغرفة هي هيئة عمومية موجهة لخدمة القطاع الاقتصادي، لذلك لها خاصية تمكنّها أن تكون شريكا ذي مصداقية تجاه كافة الأطراف، وهي تسعى إلى عصرنة نظام عملها من خلال إدخال تكنولوجيات الاتصال الجديدة ووضع قاعدة بيانات شاملة ترتكز على رصد وجمع المعلومات (بيزنس انتيليجنس) وهو نشاط يعتبر تخصصا في عالم الاقتصاد، حيث يشمل جمع وتحليل وتقديم المعلومة الاقتصادية كون الغرفة على تواصل دائم مع المتعاملين والمؤسسات.
أما فيما يخصّ التصدير، فإنه ورشة واسعة يقبل عليها الاقتصاد الذي يدفعه الظرف أكثر فأكثر للانفتاح على العالم بداية من بوابة الأسواق الإقليمية، خاصة الإفريقية الواعدة التي نريد التوجه نحوها. وقد برمجت الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة مشاركة في تظاهرات ومعارض آخرها معرض باماكو بمالي خلال بداية الشهر الجاري وكانت الجزائر ضيف شرف في موعد شاركت فيه 89 مؤسسة جزائرية. ولأن هذا التوجه يكتسي طابعا استراتيجيا تشتغل الغرفة على صعيد مرافقة المتعاملين من خلال التكوين حول برنامج لمهن التصدير موجه لرؤساء المؤسسات والعاملين في حقل التصدير، إلى جانب تأطير بعثات ومنتديات أعمال سوف تبرمج العديد منها على طول السنة الجارية 2018 من أجل تقريب المتعامل الجزائري من نظيره الأجنبي قصد انجاز شراكة للتصدير، وأخيرا نقوم بالسعي لاستغلال أمثل للاتفاقات المبرمة مع منظمتا ودول مثل الاتحاد الأوروبي لتسهيل حركة المؤسسة الجزائرية في أسواقها.
وفي هذا الإطار، نظم قبل أيام لقاء مع وزارة التجارة واللجنة الأوروبية للتعريف بقواعد المنشأ التفاضلية لفائدة المؤسسات الجزائرية حضره خبراء من الاتحاد الأوروبي شرحوا جوانب تتعلّق بمزايا المنشأ التي يجهلها الكثير مثل تراكم المزايا (cumul d’avantages). وبالطبع المغزى من ذلك البحث عن طرق مواتية الاستفادة من شهادة المنشأ التفاضلية والتي تتعلّق بمادة أولية قادمة من بلد من الاتحاد الأوروبي وتمّ تصنيعها بالجزائر يعتبر منتوجها مادة أوروبية وبالتالي لا يخضع للحواجز الجمركية، مما يجعله تنافسيا. ولأن قدرة التفاوض لدينا لا تزال ضعيفة على هذا المستوى، أدعو المتعاملين إلى التكتل ضمن مجمعات مهنية من أجل تشكيل كتلة (cluster) للتفاوض من موقع متين في كل المجالات، وتكون المجمعات ضمن غرف التجارة التي تفتح أبوابها لكافة المتعاملين والمؤسسات.