طباعة هذه الصفحة

ورقلة ولاية ناشئة بامتياز

قدرات مادية وموارد بشرية غير مستغلة

ورقلة: إيمان كافي

   60 ٪ نسبة الشباب ونقص فادح في مناصب الشغل

يرى الأستاذ في تخصص علم السكان بجامعة عنابة والمحلل الإحصائي طارق شنقال، أن التخطيط السكاني هو أحد المرتكزات الأساسية لتحقيق تنمية مستدامة في أي بلد وأي مدينة، موضحا أنه على الرغم من أن التنمية المحلية يجب أن لا تتماشى ومتطلبات السكان، كما لا تتماشى تتكيّف مع الخصائص الديموغرافية للمجتمع الورقلي، إلا أنه لا يمكن إغفال الجانب الإيجابي ولو كان قليلا بالولاية، خاصة ما تعلق بجهود بعض المستثمرين والمسؤولين وهيئات المجتمع المدني في سبيل تحقيق التنمية بالولاية من خلال مشاريع واستثمارات ناجحة ودعمها، مما يعود بالفائدة على الولاية من خلال توفير مناصب شغل وفتح أسواق جديدة وحركية اقتصادية تعطي للولاية وزنها الحقيقي، وتجعلنا كلنا مسؤولين للحفاظ على هذه المكتسبات.

بالنسبة للأستاذ طارق شنقال، فإنه إذا نظرنا لواقع النمو السكاني فإن ولاية ورقلة تعرف زيادة سكانية هائلة، إذ قدر عدد السكان بالولاية في آخر تعداد سكاني 2008 بـ558558 نسمة، ويتوقع أن يرتفع هذه السنة 2018 إلى حوالي 690000 نسمة. هذه الزيادة السكانية الهائلة حسبه لها متطلبات إضافية مثل، مدارس، مستشفيات، مقاعد جامعية، مناصب شغل، مراكز ترفيه، لكن لما نأتي لتطور هذه المرافق نجد لم تتطور بنفس الوتيرة التي تطور بها عدد السكان.
ومن هنا تتضح أهمية التوقعات الديموغرافية، فهي تعطينا الاحتياجات المستقبلية مما يستدعي إدراجها في خطط التنمية، فمثلا مولود اليوم يحتاج مقعد دراسي بعد 6 سنوات وهكذا، فالتوقعات والإسقاطات الديموغرافية تساعد في تحقيق التنمية على المستوى البعيد.
وفيما يخصّ الإمكانيات الطبيعية التي تتوفر عليها الولاية فقد أشار المتحدث إلى أن احتياطي كبير جدا تتوفر عليه ورقلة من المياه الجوفية، إذ قدرت دراسات الحجم القابل للاستغلال بـ2 مليار متر مكعب سنويا، لكن الواقع ينبئ بغير هذا، فنجد عدم استغلال تمام للمياه السطحية (مياه الأمطار، الأودية..)، في حين يبقى التركيز على المياه الجوفية ضعيفة التجدّد.
فمثلا الماء الشروب حاليا مؤمن بحوالي 110 بئر بطاقة إنتاج 260 ألف متر مكعب يوميا، إلا أن الإشكال يكمن في سوء التسيير وعدم استغلال الكثير من الآبار (أكثر من 300 بئر)، إضافة إلى شبكة التوزيع الضعيفة التي تشهد انقطاعات متكررة، مما أدى إلى أزمة عطش في الأحياء الكبرى بالولاية، وأحوج المواطن لشراء المياه المعدنية أو تلك المصفاة.
ويبقى أهم مشكل بخصوص التزود بالمياه ليس ندرة المياه بقدر ما هو قدم وتآكل شبكات التوزيع وعدم صيانتها مع عدم احترام المقاييس العالمية في الإنجاز، مما جعل نسبة المياه الضائعة تفوق 50 في المائة خاصة في بلديات ورقلة، الرويسات، تقرت وحاسي مسعود، ويتفاقم الوضع مع الزيادة السكانية، فيزيد الطلب مع عرض هزيل سببته العوامل سابقة الذكر.
أما القطاع الفلاحي بالولاية فقد شهد في العشرية الأخيرة ازدهارا ملحوظا، يرجع بشكل أساسي للدعم الفلاحي الذي وفرته الدولة للمستثمرين الشباب، ودخول الولاية مجالات جديدة في الإنتاج الفلاحي على غرار إنتاج الزيتون وزيته، بالإضافة إلى مواصلة إنتاج الخضراوات والتمور وبعض الفواكه وخاصة البطيخ الأحمر (الدلاع)، فضلا عن الانتعاش الذي يعرفه قطاع تربية المائيات كتربية أسماك المياه العذبة.
ويشكل النمو السكاني هنا سلاحا ذو حدين، فهو عنصر إيجابي من حيث أن الزيادة السكانية تعني استهلاكا أكبر مما يشجع الفلاحين والمستثمرين في القطاع لمزيد من الإنتاج مع ضمان تسويق منتجاتهم محليا، ومع ذلك، فإن تسهيلات عدة أخرى يحتاجها القطاع خاصة ما تعلق بالكهرباء والعتاد الفلاحي وغرف التخزين من أجل تحقيق اكتفاء ذاتي.
وبالنسبة للاستثمار بالولاية إذا ما قارناه بولايات أخرى وحتى المجاورة يقول أستاذ علم السكان يعد ضعيفا بالعودة لعوامل عدة منها، يخصّ التسيير وأخرى تخص ذهنية الاستثمار والمقاولاتية بالولاية والتي تبقى في حيز ضيق يتمثل في الاستثمارات في قطاع المحروقات أو الأنشطة التي تتعلق بالبناء بمختلف أشكاله.
إلا أن الاستثمار في الأنشطة الخدماتية كالسياحة والفندقة والصناعات التحويلية والغذائية ضعيف نوعا ما، ومع عدم وجود نية صادقة لتطوير القطاع بالولاية يبقى هذا النشاط متخلفا ولا يرقى لمواكبة التطور السكاني بالولاية وعليه لا يوفر إلا مناصب جد قليلة في سوق الشغل، وهي بعيدة كل البعد عن آمال الشباب، وخاصة إذا ما قارناه مع أعداد الخريجين من الجامعات ومراكز التكوين المهني.
إذ كشفت إحصائيات حديثة أن عدد الاستثمارات الصناعية بولاية ورقلة وصل إلى 550 مشروع استثماري معتمد 9 مشاريع منه دخلت حيز الخدمة و56 مشروعاقيد الإنجاز من المنتظر أن يوفر 1600 منصب.
وبالرجوع إلى ملف البطالة بالولاية الذي يعد موضوعا شائكا، تتداخل فيه عدة عوامل وأطراف، وقد أدى في كثير من المرات لاحتقان كبير في الشارع، انجرت عنه أعمال عنف وإضرابات وغلق للطرقات، مع التنبيه للمشاكل الاجتماعية الناجمة عن بطالة الشباب من آفات اجتماعية وغيرها.
فنجد بالرغم من وجود الشركات البترولية بالمنطقة، إلا أن شباب الولاية لا يستفيد بشكل كبير من مناصب العمل بها، خاصة تلك المناصب التي لا تتطلب شهادات عليا مثل (حارس، عون مطبخ، عامل بسيط، سائق...)، وفي المقابل نجد أيضا أن كثير من الشباب يبحثون عن مناصب شغل وفق تصوراتهم ومتطلباتهم ليست وفق الاحتياج، وبين هذا وذاك فإن التزايد الكبير لعدد السكان خاصة في فئة الشباب، إذ تفوق نسبتهم 60 بالمائة من عدد سكان الولاية، وما تعرفه الولاية منذ سنة 2003، أو مرحلة ما يعرف بالهبة الديموغرافية، أضحى يحتم على المسؤولين الالتفات لهذه الفئة والاستثمار فيها جيدا لتحقيق تنمية محلية مستدامة، ويأتي هذا بتوفير مناصب شغل وتشجيع الفكر المقاولاتي في شتى المجالات.
وفي الصحة يعتبر نفس المتحدث، أن هناك بعض النقائص المسجلة بالمقارنة مع النمو الديمغرافي الذي تشهده الولاية، فمثلا لما تجد بلدية بتعداد سكاني يفوق 70 ألف نسمة كبلدية الرويسات لا تتوفر على مصلحة استعجالات وتبقى رهينة المؤسسة الاستشفائية محمد بوضياف التي تبعد حوالي 5 كلم، وهذا بالمقابل يسبب ضغط على المؤسسة الاستشفائية، وبالتالي تصبح المشكلة مشكلتين، وهو وضع تعرفه عدة مناطق بالولاية، زد إلى ذلك قلة الأطباء المختصين وقلة الأجهزة الطبية بالمستشفيات، وإن وجدت فهي لا تشتغل بسبب مشاكل الصيانة والتركيب.
وتؤثر الخصائص السكانية بشكل كبير في تحقيق التنمية الصحية، فمثلا المعدل الوطني لعدد الأطباء مقابل عدد السكان هو 980، أي طبيب واحد مقابل 980 نسمة، أما في ولاية ورقلة فقدر سنة 2016 بـ طبيب واحد مقابل 1325 نسمة، وهو رقم ضعيف إذا ما قارناه بالمستوى الوطني ناهيك عن المستوى العالمي والأمر يزداد سوءا بتزايد السكان مع تزايد شبه منعدم لعدد الأطباء بالولاية، وينعكس على التغطية الصحية بالولاية ومنها على التنمية الصحية.
وفي الأخير، أكد الباحث طارق شنقال على أهمية إسهام كل طرف في وضع خطط التنمية بالاعتماد على مرجعية الخصائص والمعطيات السكانية وحتى التوقعات الديموغرافية لبناء تنمية مستدامة.