يلتقي وزراء الدفاع لدول النيجر، مالي، موريتانيا، بوركينافاسو تشاد وفرنسا إلى جانب البلدان المانحة في الـ15 جانفي 2018، بباريس، لبحث سبل تفعيل قوة الـ5ساحل، ويأتي الاجتماع بعد شهر من احتضان فرنسا قمة مصغرة حول ذات الآلية الأمنية لمكافحة التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي.
ترمي باريس بكل ما أتيت من قوة دبلوماسية لدعم إنشاء وتفعيل قوة الـ5 ساحل، وتحركت على كافة الجبهات لإنجاح المبادرة العملياتية الجديدة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، في تحمس غير مسبوق في عملها العسكري الخارجي.
وعقب القمة المصغرة التي احتضنتها فرنسا في 13 ديسمبر المنقضي والتي خصصت لحشد الدعم المالي، سيجتمع وزراء الدول الخمس المعنية بتشكيل عناصر القوة إلى جانب باريس والدول المانحة منتصف الشهر الجاري.
وصرّحت وزير الجيوش الفرنسية فلورنس بارلى، على صفحتها الرسمية بتويتر الجمعة الماضي قائلة «فى الساحل، نحشد المجتمع الدولى حتى تزداد قدرات قوة مجموعة الساحل الخمس ولذلك اجتمع فى 15 يناير بباريس مع نظرائى فى مجموعة «جى 5» والدول المانحة».
وقالت فرنسا أن القوة تحتاج غلى مبلغ إجمالي يناهز 250 مليون يورو، في المرحلة الأولى لإطلاق القوة، وأعلن ماكرون في اجتماع عقده ببلدة «سيل- سان- كلو» قرب باريس، منتصف ديسمبر عن دعم مالى إضافى للقوة الأفريقية مقدم من السعودية (100 مليون يورو) والإمارات (30 مليون يورو).
ومنح الاتحاد الاوروبى قد دعم مالى للقوة الأفريقية بقيمة 50 مليون يورو، فيما رصدت الولايات المتحدة 60 مليون دولار فى صورة تعاون ثنائى لصالح الدول الخمس المعنية.
تعبئة غير مسبوقة
وتحركت الآلة الدبلوماسية الفرنسية، بشكل لتجسيد مبادرة إنشاء القوة العسكرية لدول الساحل، منذ الصيف الماضي، وبرزت قبضة حديدة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى مجلس الأمن الدولي، بعد اعتراض الأخيرة على إصدار قرار أممي لإنشاء قوة الـ5 ساحل تفاديا لأعباء مالية إضافية.
وقال ممثل الولايات المتحدة على مستوى المجلس، أن الأمم المتحدة تتكفل بحوالي 12 ألف ضمن قوات عملية السلام بشمال مالي (ميونيسما)، ولا توجد ضرورة لصرف مزيد من الأموال على مبادرة تحتاج إرادة مشتركة للدول المعنية لتجسيدها.
ودفع اكتفاء الأمم المتحدة بمنح الدعم الدبلوماسي للقوة العسكرية، فرنسا للبحث عن تحصيل 450 مليون يورو كقيمة إجمالية لإطلاق المبادرة، وتحركت مع شركاءها لتوفير نصف القيمة للمرحلة الأولى، مستنجدة بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ويتوقع أن يناقش وزراء الدفاع في الاجتماع القادم المسائل العملياتية واللوجيستية، خاصة ما تعلّق بالمستلزمات القتالية المتطورة.
ويمكن القول إن فرنسا تفعل كل شيء من أجل شروع القوة العسكرية في أداء مهامها بشكل حقيقي مطلع 2018.
ماذا تريد فرنسا؟
خلال تناوله وجبة عشاء عيد الميلاد في القاعدة الجوية لعملية برخان بنيامي عاصمة النيجر، قال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون مخاطبا الجنود «تعلمون أن الساحل الإفريقي أولويتنا، هنا يلعب الكثير من أمننا، وهنا يصنع جزأ كبير من مستقبلنا»، مؤكدا في الوقت ذاته استمرار عملية برخان في المنطقة لتحقيق «انتصارات واضحة على الإرهاب».
تأكيد ماكرون على أهمية الساحل بالنسبة لبلاده من جهة واستمرار العملية العسكرية التي تضم 4500 جندي وعدد من المقاتلات الحربية والدبابات والآليات من جهة أخرى، يثير التساؤل عن دوافع حشد كل هذا الدعم لقوة الـ5 ساحل.
ولعلّ أبرز العوامل الظاهرة في تحمس باريس لتشكيل قوة حربية متنقلة، هو تقليص مهام قوات برخان والتركيز بشكل أكبر على الجانب الاستخباراتي، كرصد حركات واتصالات الجماعات الإرهابية وتقاسم المعلومات مع القوة الإفريقية لتتكفل بالعمل الميداني، ما يوفر على برخان جهدا معتبر وتفادي خسائر في الأرواح والعتاد.
وبعد حوالي 5 سنوات من تدخلها العسكري في مالي، تريد فرنسا توفير ملايين الدولار، نظرا للتكاليف الباهظة التي تتطلبها الحرب على الإرهاب في جغرافية صحراوية شاسع، إذ تعتمد بشكل أخص على طائرات الاستطلاع والقصف الجوي مثلما حدث في عملية سيرفال سنة 2013.
الاستعداد لما هو أخطر
في الأسابيع الأخيرة لسنة 2017، عاد الحديث بقوة عن مرحلة ما بعد داعش الإرهابي، وعن عودة الإرهابيين إلى بلدانهم الأصلية، وكشفت ندوة السلم والأمن التي احتضنتها الجزائر بوهران عن «استعداد حوالي 6000 إرهابي للعودة إلى إفريقيا قادمين من سوريا والعراق».
وأكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف، قبل أيام أن أغلب عناصر تنظيم داعش الإرهابي فروا من سوريا نحو ليبيا.
وكانت ليبيا المنفذ الرئيسي لتجمع آلاف العناصر الإرهابية في الساحل الإفريقي سنة 2012، حيث احتلوا شمال مالي لقرابة السنة، بعدما استغلوا حالة الفوضى التي اندلعت في البلاد عقب سقوط نظام القذافي سنة 2011.
وفي تواصل الحظر الدولي للسلاح على ليبيا، وعدم توصل الأطراف الليبية لاتفاق يقضي بتوحيد المؤسسات الأمنية يمكن أن تشكل هذه الدولة بوابة رئيسية لعودة العناصر الإرهابية للساحل الإفريقي.
ويدخل تشكيل قوة الـ5 ساحل، ضمن مخططات استباقية لمواجهة خطر إرهابي أكبر مما هو قائم حاليا، وإذا ما حازت على التكوين اللازم والمتكيف مع طبيعة القتال في ظروف مناخية وجغرافية ذات طابع صحراوي يمكن لها أن تصنع الفارق.
وسائل لابد منها
قوام قوة الـ5 ساحل 5 آلاف جندي، بمعدل 1000 جندي من كل دولة (النيجر، مالي، تشاد، موريتانيا، تشاد، بوركينافاسو)، ولا شك أنهم سيخضعون لعملية انتقاء دقيق من صفوف القوات الخاصة، كي يكونوا مؤهلين لتأدية المهام القتالية المنوطة بهم.
واللافت في عمل القوة، هو اعتمادها على الجانب الحركي والتنقل داخل حدود البلدان الخمس، بمعنى أن مهامها مبنية على استراتيجية هجومية، بحيث تنفذ عمليات خاطفة بناء على المعلومات الاستخباراتية المحصل عليها.
ويتطلب تنقل هؤلاء الجنود بين 5 بلدان، وسائل لوجيستية وبالأخص الطائرات العسكرية للتنقل بالسرعة اللازمة من منطقة إلى أخرى، وكذا أسلحة ومعدات حديثة تتلاءم ومناخ المنطقة.
وسيسمح التحرك وفق هذه القاعدة، بقلب المعادلة، حيث غالبا ما كانت جيوش الدول عرضة للكمائن والعمليات الإرهابية، بسبب تواجدها في مواقع دفاعية ونقاط حراسة ثابتة، لتنتقل نخبة من هذه الجيوش إلى دور المباغتة والهجوم على مغارات ومناطق اختباء الإرهابيين.
عوائد دول الميدان
قد يطرح السؤال، عن سبب قبول دول الساحل الخمس، بمقترح إنشاء قوة من 5000 عنصر، تحضى بدعم فرنسا والمجتمع الدولي؟
ولطالما اعتبرت دول النيجر، مالي، موريتانيا، تشاد وبوركينافاسو، من أكثر دول العالم عرضة للهجمات الإرهابية، وبدت قواتها المسلحة بعيدة عن المعايير القتالية اللازمة للاستجابة للتهديدات الخطيرة.
ومنذ سيطرت الجماعات الإرهابية، على شمال مالي سنة 2012، برزت الحاجة إلى إعادة بناء المؤسسة العسكرية وتقويتها ومنحها الوسائل اللازمة لتؤدي مهام حماية الأمن والاستقرار.
ولاشك أن التكوين أو الرسكلة لا تكفي لتحقيق نجاعة قتالية ضد الإرهاب، لأن الأمر مرتبط أكثر بالعتاد الحربي والذي تطلب أموال معتبرة.
وتشكل قوة الـ5 ساحل تجربة فريدة من نوعها لهذه الدول، بالنظر لطبيعتها غير المعهودة، وحصولها في الوقت ذاته على دعم دولي والأهم هو أن الميزانية كلها محصلة من تبرعات المانحين.
وتمنح الفرصة للانخراط بنجاعة كبيرة في الحرب على الإرهاب بالاعتماد على القدرات الذاتية وتطوريها تدريجيا، ما يمكنها من حماية سيادتها الوطنية.
ليست أولوية
يمكن القول، إن منطقة الساحل الإفريقي باتت محاصرة منذ سنة 2009، من الجنوب والشمال بجماعات إرهابية فتاكة، حيث تمارس جماعة بوكو حرام جرائم بشعة جنوب غربي النيجر وشمال شرقي نيجيريا، مما عمق من مآسي السكان ودفعهم إلى قطع الصحاري والبحار محاولين الوصول إلى أوروبا.
وعليه، لا ينبغي أن يتصدر التحدي الأمني أولويات قادة دول المنطقة، فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية من أهم العوامل التي يجب الاهتمام به لحل معظم المشاكل خاصة لدى الشباب.
ويجدر بدول الساحل الخمس المعروفة باحتلالها المراكز الأخيرة كأفقر بلدان العالم، ألا تقع في فخّ الهواجس الأمنية وترصد ميزانيات ضخمة للجانب العسكري على حساب متطلبات السكان، خاصة وأن الحرب على الإرهاب «مزمنة» ولا تتوقف على عدد محدود من المعارك.
وتستطيع الدول المعنية، احتواء الشباب وإنقاذهم من استغلال واستقطاب الجماعات الإرهابية، بإقحامهم بمشاريع تنموية هي أولى بحشد دعم المجتمع الدولي والمانحين.
يذكر أن قوة الـ5ساحل ستشرع في مهامها بشكل فعلي شهر فيفري المقبل، على أن تكتمل كافة عناصره شهر ماي 2018، وستكون أمام اختبارات حقيقة، لتأكيد أحقيتها بالاهتمام البالغ الذي حظيت به.
وينشط في منطقة الساحل تحالف لـ4 جماعات إرهابية، يرجح أن يتعزز بقدوم إرهابيين من سوريا والعراق في قادم الأيام وفقا لتقارير رسمية، مما سيزيد حجم الأعباء الأمنية على المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية..