عاشت السلطة الرابعة في الجزائر هذه السنة أوقاتا عسيرة جدا حيث تسببت الأزمة المالية والاقتصادية في غلق الكثير من الصحف على غرار “لاتربين” و«التحرير” ناهيك عن وجود الكثير من الصحف الأخرى تحت وطأة متاعب كبيرة جدا على غرار “صوت الأحرار”، ويومية “ليبرتي”، كما أن الإعلام السمعي البصري الذي يدخل عامه الخامس من التعددية الإعلامية، لم يجد تلك المعالم التي تسمح له بتقديم مضامين محترفة وصناعة ثقافية في مستوى تطلعات المجتمع، ناهيك عن غياب قوانين ضبط الصحافة الالكترونية التي تعرف انحرافات كبيرة، مع بروز آفاق صعبة على الصحفيين الجزائريين الذين يوجد الكثير منهم في ظروف يصعب الحديث عنها.
كشفت وزارة الاتصال في أكتوبر 2017 عن توقف 26 جريدة يومية و34 جريدة أسبوعية اختفت من الساحة الإعلامية الوطنية، منذ 2014 في الوقت الذي ينشط فيه 140 عنوان، وتحدث الوزارة عن إمكانية اختفاء عناوين أخرى في ظل تواصل تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية.
يحدث هذا مع تراجع سوق الاشهار بنسبة 65% ما بين سنتي 2015 و2016 وارتفاع ديون الصحف لدى شركة الطباعة بالجزائر، ما بات يهدد تواصل نشاطها، وتسببت الأزمة الاقتصادية والمالية كذلك في انخفاض عدد سحب الصحف بأكثر من 50 بالمائة، حيث أشار وزير الاتصال مؤخرا إلى سحب الصحافة الوطنية بـ 900 ألف نسخة، بعد أن كانت قبل 03 سنوات حوالي 03 ملايين نسخة.
يتخوف الصحافيون من مستقبل الصحافة المكتوبة التي باتت عاجزة عن مواكبة التحولات الاقتصادية في ظل الزحف المتواصل للإعلام الالكتروني الذي أجبر الكثير من الصحف الورقية على الاندثار ويتنبأ خبراء الإعلام بزوال الصحافة المكتوبة في غضون 2025.
يبقى تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة مؤجلا إلى اشعار آخر حيث وبعد أن ألح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، قبل نهاية السنة، يظهر أن عديد الظروف ستؤجل ذلك وخاصة اعادة تطهير الأسرة الإعلامية من الذين استفادوا من البطاقة الوطنية للصحفي المحترف حتى يتم انتخاب ممثلي الصحافيين بطريقة نزيهة ويكون ممثلين حقيقيين.
جاء في كلمة الرئيس التي بعث بها للأسرة الإعلامية، عشية الاحتفال باليوم الوطني للصحافة “إن اهتمامنا بالمكاسب التي حققتها الجزائر في مجال الإعلام تجعل الدولة ساهرة على تعزيز هذا الاتجاه، وهو ما أؤكده مرّة أخرى من خلال توجهي إلى الحكومة لكي تسرع في تأسيس سلطة الضبط للصحافة المكتوبة ولكي تسهر على تفعيل هذه الهيئة مع تفعيل سلطة ضبط السمعي البصري أيضا، وفي نفس المنوال أرجو من الحكومة تفعيل الصندوق العمومي لدعم الصحافة المكتوبة مع مطلع السنة المقبلة.
بالاضافة إلى تأخر انشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة يبقى المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات المهنة ينتظر التنصيب بدوره وهو الذي كان من المفترض أن ينصّب عاما بعد صدور القانون العضوي للإعلام وفقا للمادة 99.
نص قانون الإعلام 12-05 في الفصل الثاني على -آداب وأخلاقيات المهنة- وأشارت المادّة 92 على أنه “يجب على الصحفي أن يسهر على الاحترام الكامل لآداب وأخلاقيات المهنة، خلال ممارسته للنشاط الصحفي مع التأكيد على ضرورة عدم المساس بالثوابت الوطنية وتصحيح كل خبر غير صحيح وعدم تجاوز الخطوط الحمراء الخاصة بالدفاع الوطني وتاريخ الجزائر”.
كانت المادة 93 واضحة في مجال احترام الحياة الخاصة للأفراد “يمنع انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص وشرفهم واعتبارهم ويمنع انتهاك الحياة الخاصة للشخصيات العمومية بصفة مباشرة أو غير مباشرة”.
تحدثت المادّة 94 عن نشأة المجلس “ينشأ مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة، وينتخب أعضاؤه من قبل الصحفيين المحترفين يستفيد المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة من دعم عمومي لتمويله”.
قالت المادّة 96 : “يعد المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة ميثاق شرف مهنة الصحافة ويصادق عليه”.
تضمنت المادّة 97 “يعرّض كل خرق لقواعد آداب وأخلاقيات مهنة الصحافة أصحابه إلى عقوبات يأمر بها المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة”. أما المادّة 98 فنصّت على أنه “يحدد المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة طبيعة هذه العقوبات وكيفيات الطعن فيها”·
وبالإضافة إلى الهيئات، يبقى غياب نقابة وطنية جامعة للصحافيين إحدى أكبر المعوقات التي تمنع الصحافيين من تشكيل قوة حقيقية لتحسين اوضاع الصحافيين “السسيومهنية”، وكذا التقليل من غطرسة بعض أرباب الصحافة، وكذا تقديم مقترحات عملية في حال تعديل قانون الإعلام.
يبقى أمل الصحافيين كبيرا في 2018 على الأحسن، من خلال الاستجابة لانشغالاتهم وتمكينهم من مؤسسات قوية تمنح بعض بصيص الأمل للسلطة الرابعة.