احتضن فضاء امحمد بن قطاف، صبيحة أول أمس الخميس، ، ندوة “الفرجة في المسرح الجزائري”، آخر ندوات المهرجان الوطني الثاني عشر للمسرح المحترف. أدار اللقاء الأكاديمي لخضر منصوري، ونشطه المبدعان المسرحيان عمر فطموش وهارون الكيلاني. وقد ركز فطموش على ماهية مفهوم “الفرجة” وتعريفاته، أما الكيلاني فاستقصى أثر الفرجة في تراثنا وتاريخنا، مؤكدا على ضرورة الانطلاق من التراث المحلي لبناء مسرح جزائري خالص.
في مداخلته، ركز عمر فطموش على مفهوم الفرجة، معتبرا أنها قبل كل شيء نوع من التقاسم والتشارك، وهي عقد ما بين المؤدي والمتلقي، يكون في فضاء معين ووقت معين بين أشخاص معينين في علاقة تواصلية (اتصالية)، وهذا العقد يمكن أن ينكسر في أي وقت إذا لم يؤد جانب ما دوره.
تشاركية الفرجة
والفرجة هي كل علاقة تبادل فنية، تتسم بالحميمية، وهي علاقة بسيكولوجية. والفرجة تشارك عاطفي وداخلي، يؤكد فطموش مستشهدا بمسرحية أدّاها كفيفون في بجاية، أطفئت فيها كل الأضواء حتى صار الجمهور يرى كلاما، و«صارت علاقتنا مع المؤدين علاقة أخرى”، يقول المتحدث، الذي عاش تجربة مماثلة في عمل للصم البكم: “لقد صرنا نحن المعاقين حيث كنا لا نفهم لغة الإشارات، فيما كان يفهمها أطفال الصم البكم، وكنا بذلك مقصيين من العقد، لأن العرض كان يؤدى في فضاء معين وبعقد محدد”.
وقد تطرق عبد القادر علولة إلى المتلقي الذي يدير ظهره للعرض، فالمتلقي “حر كل الحرية في تلقي العرض كما يريد”، كما أنه شخصية جوهرية لا تظهر على خشبة المسرح، ولكنها تتدخل طوال العرض في حوار صامت مع المؤدين. أما حينما يتم الإخلال بأحد عناصر هذا العقد، فإن ذلك يؤدي إلى التشويش على العملية الاتصالية وهو ما ينقص من الفرجة ويؤثر فيها.
الاغتراف من التراث
من جهة أخرى، لم يُخفِ هارون الكيلاني انحيازه للتراث وضرورة الانطلاق منه لصنع الفرجة المسرحية.. وفي مداخلة عنوانها “الفرجة أكبر من المسرح”، أشار الكيلاني إلى الأنا والآخر من مقاربة ثقافية تراثية، يلعب التاريخ فيها دورا محوريا، وتحدث عن العديد من الأمثلة التي رُدّت فيها بضاعتنا إلينا ونحن نحسبها من إبداع الآخر. ولتفادي التقليد الأعمى، وجب التنقيب والتمحيص في تراث الجزائر الغني. كما أن المسرحيين قد وقعوا ضحايا مصطلحات مسرحية يرددونها دون الجرأة على تغييرها أو استبدالها.
ودعا الكيلاني إلى الانطلاق من السياق المحلي، بما يزخر من كنوز تراثية وثقافية لا يملكها الآخر ولا يمكنه أن يعطيها بعضا من روح، لأن “طينتنا صعبة النقل، وأن يأتي الغربي وينقل تراثنا فهو صعب عليه أن يفهمه”. ومن أشكال هذه الأعمال التراثية ذكر الكيلاني السبع بن عودة، بوغنجة، السماع الصوفي، وغيرها. وأضاف المتحدث بأن الفرجة بقيت بعيدة عن العلم والجد، وعن الفلسفة والكمال، وهكذا فإن الفرجة تتعدى من دائرة النقد إلى دائرة الفلسفة، ويصنعها من فهم الأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية وحتى العلمية، واهتم بما هو تطبيقي في لغة التواصل بين الناس. وذهب الكيلاني إلى القول إن البريختية وتكسير الجدار الرابع وما إلى ذلك أمور موجودة عندنا من قبل، وليست بالشيء الجديد إن نحن قمنا بقليل من التمعن.
وعن سؤالنا حول ضرورة تأقلم الفنان مع الجمهور وسياقه الثقافي ضمانا لإيصال الرسالة وتحقيق الفرجة، أجاب الكيلاني بأنه يتأقلم مع جمهوره ولكن بالمحافظة على مستوى من القيمة الفنية لا ينزل تحته: “التأقلم مع المتلقي يكون بمستوى راقٍ.. قد أتأقلم معه ولكن ليس بالتساهل والتمييع”.
من جهته، اعتبر د.حميد علاوي، المشرف على برنامج ندوات المهرجان، أن مستوى المتلقي وفهمه لقواعد المسرح يلعب دورا كبيرا في تحقيق هذا العقد، وبالتالي تحقق الفرجة. وإذا كانت الفنان/المُرسل يحقق المسألة الفنية، فإن الفكرة تصير جميلة حينما يكون المتلقي والتواصل، وهو مغزى “جمالية التلقي” الذي أتت به المدرسة الألمانية. وخلص إلى أن الفرجة المسرحية ينبغي أن تنبع من جذورنا الثقافية، وفي ثقافتنا الكثير من الأشياء على غرار الأعراس التقليدية في الأوراس مثلا، مما يشكل فرجة بامتياز.