تبقى الاحتجاجات الشعبية والاجتماعية تصنع الحدث بالمغرب ولا تنطفئ، فبعد ما عرفه حراك الريف بشمال البلاد، والذي انطلق قبل سنة ومازال مستمرا في ظل تواصل فصول المحاكمة الجائرة ضد قادة الحملة الاحتجاجية، تعيش مدينة جرادة (شرق المغرب) إحتقانا شعبيا غير مسبوق تنديدا بالأوضاع الهشة التي تعيشها المنطقة، لا سيما بعد مقتل شابين داخل منجم لاستخراج الفحم.
وذكرت تقارير إعلامية مغربية أمس، أن موجة الاحتجاجات متواصلة في المدينة وذلك بعد مصرع شقيقين في عقدهما الثالث تحت الأنقاض حي المسيرة بمدينة جرادة فيما نجا شخص ثالث بأعجوبة من موت محقق، وذلك أثناء عمليات التنقيب على مادة الفحم الحجري داخل بئر قبل أن تجرفهما المياه نحو المجهول، الجمعة الماضي.
وهو الامر الذي أثار من جديد، غضبا شعبيا ترجمه سكان المدينة في مسيرة حاشدة صوب عمالة (بلدية) جرادة، احتجاجا على محاولة السلطات المحلية الإسراع بدفن العاملين للتكتم على الأحداث، وهو ما رفضه أهل الضحيتين وإصرارهم على تولي مراسيم الدفن.
مثـــــل الإرهابيـــــين
اتهم تكتل الاحزاب الاشتراكية السلطات المحلية بالمدينة وعلى رأسها عامل مدينة جرادة بالتخطيط والتواطؤ لدفن «شهداء» منجم الفحم ليلا كأنهم «إرهابيين»، مشيرا على أنه في ظرف شهر فقط توفي عدة مواطنون في المغرب في سبيل الحصول على لقمة العيش..
وكانت هذه الحركة الاحتجاجية الساخطة فضاء جديدا لتنديد السكان ب»الإقصاء والتهميش» ومطالبتهم ب»توفير الكرامة» لهم بصفتهم مواطنين مغاربة لهم الحق في التنمية والتكفل بانشغالاتهم اليومية.
ونقلت مجلة «ميم المغربية» على موقعها على الانترنيت أنه ليست المرة الأولى التي تنتفض فيها مدينة جرادة، فقبل أسابيع شهدت المدينة غليانا بسبب ارتفاع فواتير الماء والكهرباء.
وأضاف الموقع أن المجتمع المدني استجاب لدعوات الغضب بما في ذلك المركز المغربي لحقوق الإنسان، وفي هذا السياق يقول عبد الإله الخضري، رئيس المركز ضمن حديثه لـ»مجلة ميم» مؤكدا «إنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مدينة جرادة غضبا شعبيا، فالمدينة تعيش وضعا اجتماعيا مزريا، ويمكن أن نقول إنها منطقة جرداء اقتصاديا على الرغم من أنها تتمتع بثروات طبيعية هامة من بينها مخزونها من المياه الجوفية».
ويرى حقوقيون أن سكان المدينة يلجأون في ظل اهمال السلطات لهم وغير مبالاتها بمعانتهم واحتياجاتهم اليومية، صاروا يعتمدون على أنفسهم للاسترزاق ك»محاولة التنقيب عن الفحم لكسب قوتهم وركوب المخاطر التي قد تشكلها مثل هذه المغامرة».
التهميــــش والاقصـــاء المبرمـــج
ومن جهته، نقل موقع المغرب اليوم عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في مجلس النواب المغربي، تحذيره من «خطورة الأوضاع الاجتماعية» والاقتصادية بإقليم جرادة، مشيرا إلى أن «ما زاد من قسوتها هو استمرار مقتل أبناء جرادة، بحثا عن لقمة عيش أليمة عز إيجادها في جميع مناطق الإقليم، نظرا للغياب الكلي لفرص الشغل».
وأضاف النائب البرلماني ياسين دغو، عضو الفريق الاستقلالي بمجلس النواب عن دائرة جرادة أن الإقليم يعيش على وقع «احتجاجات شعبية» منذ مدة تنوعت أسبابها بين ضعف مؤشرات التنمية البشرية بالإقليم، وارتفاع نسب الفقر والهشاشة، وضعف البنية التحتية، وانتشار البطالة القسرية، وغلاء فواتير الماء والكهرباء.
وتأتي أحداث جرادة في الوقت الذي لم يطو بعد ملف حراك الريف الذي لازالت فصول محاكمة ناشطيه الجائرة متواصلة، لاسيما بعد الاحتجاجات التي صدرت من أعضاء الدفاع على ردود النيابة العامة بخصوص أعمال التعذيب الذي يتعرض له الموقوفين بالسجن المحلي عكاشة.