شيّد إعمارا أدبيا صادقا وكتب تاريخ الجزائر بملحمية وغنائية حادّة
«الطاهر وطار يعود إلى مقامه الزكي ببونة «بهذه الكلمات افتتح بعنابة «ملتقى التاريخ في روايات الطاهر وطار»، حيث استذكر فيه أدباء وجامعيون مناقب وأعمال صاحب رائعة «اللاز» ودوره في الترسيخ والتأسيس الإبداعي، وصناعة الحدث الثقافي من لاشيء، وقد حضر هذا الملتقى الذي احتضنته المكتبة الرئيسية للمطالعة العديد من الوجوه الثقافية والأدبية والجامعية.
شهادات حية وقراءات متنوعة في أعمال هذا الروائي الفذ، الذي ترك أعمالا أدبية راسخة، وفي هذا المقام تحدث الروائي واسيني الأعرج عن صداقته مع الروائي الطاهر وطار، كما لم يخف بعض الخلافات التي حدثت بينهما ولكنها لم تفسد في علاقتهما شيئا، وعن الروائي الطاهر وطار يقول واسيني الأعرج، بأنه قبل أن يكون كاتبا كان شخصية اجتماعية وثقافية مثيرة للجدل، يصنع الحدث الثقافي أحيانا من لا شيء.
الكثير من الأدباء الجزائريين تخرجوا من معطف الطاهر وطار
قال الأعرج بأن وطار أستاذه الذي تعلم منه أبجديات وسحر الكتابة الإبداعية، وقد نهل منه الكثير، مؤكدا بأن الكثير من الأدباء الجزائريين وهو واحد منهم تخرجوا من معطف الطاهر وطار، ولذلك سيسيرون في هذا المنهاج ليكبروا ثقافيا، وأضاف الروائي واسيني الأعرج، بأن الرجل كانت له قيمته الثقافية وكبريائه وعظمته، وقد كان صديقا لذودا وعزيزا وسجاليا.
بخصوص عنوان مداخلته «ماذا بقي من الطاهر وطار» قال واسيني بأن هذا العنوان يبدو نوعا ما استفزازيا، مؤكدا بأنه أراد من ورائه أن يقول بأنه بقي من الطاهر وطار «كل شيء» بقي منه الرجل السجالي، شخصيته الحيوية، وكان من الأوائل الذين نادوا بتأسيس جمعية، حيث كان يعمل دون توقف، وكان يحمل فكرة واحدة كيف يمكن أن تصبح هذه الجمعية مكانا لإبراز المواطنة، وكيف للفرد أن يعبر، وأن يكون حرا، وتكون له وجهة نظره، ويجعل من جمعية الجاحظية وسيلة ومكانا للنقاش.
أضاف الروائي واسيني الأعرج بأن الطاهر وطار كان يرغب في أن تكون الجمعية مركز نقاش والتقاء بين الفرانكفونيون والمعربين، في وقت كانت فيه الأوضاع اللغوية مختلفة، ولم شملهم تحت غطاء واحد للنقاش، وانطلقت ـ يقول ـ الندوات والمحاضرات في مختلف المجالات الأدبية والثقافية، وأصبح لها صيت بالرغم من أن الجمعية كانت تخلق مساعدات مالية، كونه لم يكن يتحصل على الدعم المادي إلا نادرا، وتمول نفسها بنفسها، وتأسف الأعرج كون الطاهر وطار وافته المنية ولم يستطع الذهاب بمشروعه إلى النهاية.
أضاف واسيني بأن وطار على المستوى الأدبي كانت له مكانته الكبيرة، كما كان يتميز بقوة التبصّر، والتي اعتبرها من الخاصيات الثقافية المميزة للروائي الراحل، قائلا بأن كل هذه العناصر بقيت في الطاهر وطار وهو ما يعطي الاستمرارية الكافية لهذا الرجل.
الكتابة «الوطارية» أشبه بورشة متحرّكة لرصد التحوّلات التاريخية
من جهته، مدير الثقافة لولاية عنابة إدريس بوديبة قال بأن الطاهر وطار شيّد إعمارا أدبيا صادقا، مشيرا إلى أن القراء سيكونون مشدودين إلى المكونات التي أهلته لأن يكون ضمن الكلاسيكيات الخالدة. بوديبة قال بأن الكتابة الوطارية أشبه بما تكون بورشة متحركة لرصد التحولات التاريخية لمجتمعنا والتعبير عنها بأشكال مبدعة للمعاني والشخوص، وأضاف بأن وطار كتب في رواياته المتعددة تاريخ الجزائر بملحمية وغنائية حادة ترصد الثابت والمتحول للشخصية الجزائرية إلى جانب التركيز على الروح المحلية وعناصر الهوية واستلهام التراث الشعبي وتوظيفه، وكأن وطار كان يريد أن يكتب روائيا تاريخ الجزائر.
رغم إغراءات المدرسة الواقعية لكن صدرت أعماله الأولى بتلقائية والبناء المحكم ـ يقول المتحدث ـ وحقق الطاهر وطار بحسِّه المرهف مستوى رفيعا من الانسجام الروائي، كما أن الرواية الوطارية مرت بعدة تحولات أمنية للواقعية إلى التناص والانسجام باللغة الشعرية والطريقة الصوفية.
أكد بوديبة أن أشياء كثيرة كانت تتغير في كتابات وطار، إلا أن شيئا واحدا لم يكن ليتغير في مساره الروائي، حيث بدا المنظور السياسي هو الهاجس المهيمن على خياراته السردية بشكل واضح، مضيفا بأن الرواية الوطارية في المرحلة الأولى كانت مفعمة بحرارة الواقع وتاريخيته، خلافا لكتاباته في المرحلة الأخيرة التي كانت تجنح للتجريد والتدفق السردي والمكتنز بالمناخ الداخلي للذاكرة، وقال بأن أغلب أبطاله التاريخيين ينتهون إلى مآلات مهلكة وهم يعبرون الماضي إلى المستقبل ليصطدموا بعتبات المجد الضائع.
أضاف بأن الطاهر وطار غالبا ما يختار أبطاله المأسويين من محيطه ومعارفه وأصدقائه، سواء أكانوا أدباء أو مناضلين سياسيين، وأشار في سياق حديثه إلى أنه رغم الانجاز المدهش الذي حققه الطاهر وطار في مجال القصة القصيرة، إلا أن القارئ لم يلتفت إلى هذه التجربة إذ خطفتهم الأعمال الروائية دون سواها، واستطاع وطار أن يستمر في الممارسة الإبداعية المنتظمة منذ الخمسينيات إلى آخر عمل له وهو يصارع الموت بشجاعة.
إلى جانب ذلك، تداولت على المنصة أسماء أدبية وثقافية أخرى، كان لها حديث عن الروائي الكبير الطاهر وطار في مداخلات متنوعة، على غرار «معالم الهوية في روايات الطاهر وطار»، «المتخيل التاريخي كإعادة الكتابة عند الطاهر وطار»، «البعد الثوري في روايات الطاهر وطار» وغيرها..